البشرية ومدى إمكان الاعتماد عليها ، وتبحث عن المصادر الرئيسية لها.
فقد امتدّ البحث الاصولي إلى مجال هذه النظرية ، وانعكس ذلك في الصراع الفكري الشديد بين الأخباريّين والمجتهدين ، الذي كان ولا يزال يتمخّض عن أفكارٍ جديدةٍ في هذا الحقل ، وقد عرفنا سابقاً كيف أنّ التيّار الحسّي تسرّب عن طريق هذا الصراع إلى الفكر العلمي عند فقهائنا ، بينما لم يكن قد وجد في الفلسفة الاوروبية إلى ذلك الوقت.
٢ ـ في مجال فلسفة اللغة : فقد سبق الفكر الاصولي أحدثُ اتّجاهٍ عالميّ في المنطق الصوري اليوم ، وهو اتّجاه المناطقة الرياضيّين الذين يردّون الرياضيات إلى المنطق ، والمنطق إلى اللغة ، ويرون أنّ الواجب الرئيسي على الفيلسوف أن يحلِّل اللغة ويفلسفها بدلاً عن أن يحلِّل الوجود الخارجي ويفلسفه.
فإنّ المفكّرين الاصوليّين قد سبقوا في عملية التحليل اللغوي ، وليست بحوث المعنى الحرفي والهيئات في الاصول إلّا دليلاً على هذا السبق.
ومن الطريف أن يكتب اليوم «برتراند رسل» ـ رائد ذلك الاتّجاه الحديث في العالم المعاصر ، محاولاً التفرقة بين جملتين لغويّتين في دراسته التحليلية للّغة ، وهما : «مات قيصر» و «موت قيصر» أو «صدق موت قيصر» ، فلا ينتهي إلى نتيجة ، وإنّما يعلّق على مشكلة التمييز المنطقي بين الجملتين ـ فيقول : «لست أدري كيف اعالج هذه المشكلة علاجاً مقبولاً؟» (١).
أقول : من الطريف أن يعجز باحث في قمّة ذلك الاتّجاه الحديث عن تحليل الفرق بين تلك الجملتين ، بينما يكون علم الاصول قد سبق إلى دراسة هذا الفرق
__________________
(١) اصول الرياضيات ١ : ٩٦ ترجمة الدكتور محمد موسى أحمد والدكتور أحمد فؤاد الأهواني. (المؤلّف قدسسره)