وكان ابن دريد على حق إذ قال : «وقد ألف أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفرهوديّ رضوان الله عليه كتاب العين ، فأتعب من تصدّى لغايته ، وعنّى من سما إلى نهايته ، فالمنصف له بالغلب معترف ، والمعاند متكلّف ، وكلّ من بعده له تبع ، أقرّ بذلك أم جحد ، ولكنّه رحمهالله ألف كتابا مشاكلا لثقوب فهمه ، وذكاء فطنته» (١).
ولذلك أنكره حملة الرواية «المحافظون» مثل أبي حاتم السّجستانيّ واصحابه أشدّ الإنكار ، ودفعوه بأبلغ الدفع (٢). بحجة أنّ أصحاب الخليل غبروا مدّة طويلة «لا يعرفون هذا الكتاب ، ولا يسمعون به ، ومنهم النضر بن شميل ، ومؤرّج ونصر بن عليّ وأبو الحسن الأخفش وأمثالهم ، ولو أنّ الخليل ألّف الكتاب لحمله هؤلاء عنه» (٣).
لأن أكثر من سمّوا لم يكن بالمتلقّي المستوعب لكل ما هو جديد ، ولأن أبا الحسن الأخفش خاصّة كان قد عاصر الخليل ولكنّه لم يأخذ عنه ، ولم يحك عنه حرفا واحدا ، فكيف يحمل عنه علمه في العين وغيره.
ولأن عدم علمهم ، وعلم أشياخهم لا يعني عدم وجوده ، ولم ينقدوه ولم يفحصوه ليعرفوا أنّه من عمل الخليل أو من عمل غيره ، بل تمسكوا بأوهى الأسباب ليملأوا الدنيا صخبا. ويوجّهوا الأذهان إلى إنكاره ورفضه.
وقد اتخذوا من انكاره وسيلة إلى نهب ما احتواه ليقيموا عليه كتبا زعموا أنّها لهم أمثال الأزهريّ والقالي وغيرهما.
وكان الأزهريّ أشدّ المنكرين إنكارا له ، وأكثر أصحاب المعجمات إفادة منه. زعم أنّ الكتاب ليس للخليل ، وإنّما هو للّيث بن المظفّر ، نحله الخليل «لينفّقه باسمه ويرغب فيه من حوله» (٤)
__________________
(١) مقدمة الجمهرة ص ٣.
(٢) المزهر ١ / ٨٤.
(٣) المزهر ١ / ٨٤.
(٤) مقدمة التهذيب ٢٨.