قال قائل : "إن أقام الله القيامة عذّب الكفار" كان كلاما ناقصا.
فلما كانت إذا لوقت معلوم لم يجاز بها ، وإن كان فيها معنى المجازاة إلا أن يضطر الشاعر فيجازي بها في الشعر لكون معنى المجازاة فيها ، قال الشاعر الفرزدق :
ترفع لي خندف والله يرفع لي |
|
نارا إذا اغمدت نيرانها تقد (١) |
وقال آخر :
إذا قصرت سيوفنا كان وصلها |
|
خطانا إلى أعدائنا فنضارب (٢) |
فإن قال قائل : ما معنى قولكم فيها معنى المجازاة ولا يجازي بها؟ فالجواب في ذلك أن معنى المجازاة فيها هو أن جوابها يقع عند الشرط كما تقع المجازاة عند وقوع الشرط ، ولم يجاز بها في اللفظ فتجزم ما بعدها لما ذكرناه من توقيتها وحصولها على وقت معلوم.
ومثل ذلك قولك : "الذي يأتيني فله درهم" فيه معنى المجازاة ولا يجازي به. وإنما كان فيها معنى المجازاة لأن بالإتيان استحق الدرهم. ووجه الكلام أن ترفع شرطها وجوابها كما قال ذو الرّمة :
تصغى إذا شدّها بالكور جانحة |
|
حتى إذا ما استوى في غرزها تثب |
ولإذا موضع آخر تكون فيه اسما للمكان وظرفا من ظروفه ، وذلك قولك : "خرجت فإذا زيد قائم" ويجوز أن تقول : "خرجت فإذا زيد قائما" ويجوز : "خرجت فإذا زيد" ؛ فمن قال : "خرجت فإذا زيد قائم" أراد خرجت فحضرني زيد قائم ، والمعنى فيه أنه فاجأني عند خروجي وهو بمنزلة قولك : في الدار زيد قام. وإذا قلت : " خرجت فإذا زيد" ؛ قائما" فكأنك قلت خرجت فحضرني زيد قائما رفعت زيدا بالابتداء ، وجعلت الخبر فإذا ونصبت قائما على الحال وهو بمنزلة قولك في الدار زيد قائما. وإذا قلت : " خرجت فإذا زيد" كأنك قلت خرجت فحضرني زيد جعلت زيدا ابتداء ، وفإذا هو الخبر بمنزلة قولك في الدار زيد. ولإذا موضع آخر وهو جواب الشرط وتكفي من الفاء ، تقول : "إن تأتني فأنا مكرم لك" وإن شئت قلت "إن تأتني إذا أنا مكرم لك" قال الله عزوجل : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٣) ومعناه فهم يقنطون.
__________________
(١) ديوانه ٢١٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٦٢.
(٢) يروي البيت بكسر الباء من (فنضارب) وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه ٣٣ ، كما يروى يرفع التاء للأخنس بن شهاب التغلبي في الخزانة ٣ / ١٦٥ ، وسيبويه ١ / ٤٣٤.
(٣) سورة الروم ، آية ٣٦.