وقد يكون لإذ موضع آخر ، وهو قولك : " بينما زيد قائم إذ رأى عمرا" واختلفوا في ذلك ؛ فقال بعضهم : معناه ، في هذا الموضع للحال ، كما تقول : " خرجت فإذا زيد قائم". وقال بعضهم : هي زائدة ، قال الشاعر :
بينما هنّ بالأراك معا |
|
إذ أتى راكب على جملة (١) |
ونحن نذكر" إذا" مع" إذ" إذ كانت مؤاخية لها في هذا الموضع وإن لم يذكرها سيبويه. واعلم أن" إذا" اسم من أسماء الزمان وهي ظرف من ظروفه ، وتقع فيها الأفعال المستقبلة ، وهي موضحة بما بعدها كما كانت" إذ" غير أنها لا يليها إلا أفعال مظهرة كانت أو مضمرة ، كقولك : " أجيئتك إذا قام زيد" يعني الوقت الذي يقوم فيه ، وفيها معنى المجازاة ؛ فلذلك لا يقع بعدها إلا الأفعال. وإذا رأيت الاسم بعدها مرفوعا فعلى تقدير فعل قبله لأنه لا يكون بعدها الابتداء والخبر. قال الشاعر :
إذا ابن أبي موسى بلال بلغته |
|
فقام بفأس بين وصليك جازر (٢) |
ومعناه إذا بلغت ابن أبي موسى بلال بلغته ، فأضمرت فعلا لم يسم فاعله كما قال الآخر :
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط مما تطيح الطوائح (٣) |
ولا يجازي بإذا عند أهل البصرة من قبل أنها لوقت معلوم آت ، والمجازاة والشروط هي معقودة على أنها يجوز أن تكون ويجوز أن لا تكون. والدليل على ذلك قوله عزوجل : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٤) و (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)(٥) ونحو ذلك في القرآن. أراد الوقت الذي تكور فيه الشمس وتنشق فيه السماء. ولو قال قائل : "إن الشمس كورت" ، "إن السماء انشقت" كان قبيحا ؛ لأنه جعل المعلوم مبهما ، وأوهم أنه يجوز ألا يكون. ولو قال قائل : "إذا أقام الله القيامة عذّب الكفار" كان كلاما مستقيما حسنا. فإن
__________________
(١) البيت لجميل بثينة في ديوانه ١٨٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٩٩.
(٢) البيت لذي الرمة في ديوانه ٢٥٣ ، وخزانة الأدب / ٤٥٠.
(٣) البيت لنهشل بن حرى بن حمزة النهشلي في خزانة الأدب ١ / ١٤٧.
(٤) سورة الانشقاق ، آية ١.
(٥) سورة التكوير ، آية ١.