فإن قال : فلم خصّ سيبويه تسمية الفتح والضم والكسر والوقف للأسماء غير المتمكنة ، وقد زعمتم أن المعرب يقال له ذلك؟
فالجواب في ذلك : أن سيبويه وسائر النحويين فصلوا بين الضم الذي بعامل والضم الذي بغير عامل في التسمية والتلقيب ، إنما أرادوا تقريب معرفته على المخاطب ليتناول علم ذلك من قرب ، ولا فرق بين المعرب والمبني في النطق ، ولكنهم جعلوا الفتح المطلق لقبا للمبني على الفتح ، والضم المطلق لقبا للمبني على الضم ، وكذلك الكسر والوقف ، وجعلوا النصب لقبا للمفتوح بعامل ، وكذلك المرفوع والمجرور والمجزوم ، لا يقال لشيء من ذلك مضموم مطلقا ، وإنما يخبر عنه بتقييد لئلا يدخل في حيز المبنيات المسميات بهذه الأسماء المطلقة ، والدليل على أن كل ذلك يجمعه اسم الفتح والضم والكسر والوقف ، أن سامعا لو سمع لفظين مفتوحين أحدهما بعامل والآخر بغير عامل لم يفصل بينهما بنفس السمع واستويا عنده في النطق ، حتى يرجع فيعرف ما أوجب ذلك له من عامل أو غير ذلك.
وقوله : " فللأسماء غير المتمكنة المضارعة عندهم ما ليس باسم مما جاء لمعنى ليس غير". قوله : " فللأسماء غير المتمكنة" ، فهي للأسماء المبنية عندهم ، يعني المشابهة عندهم الحروف التي جاءت لمعنى ليس غير.
فإن قال قائل كيف تعرب" غير" في هذا الموضع؟
فإن أبا العباس كان يقول : " غير" مبني على الضم ، مثل قبل وبعد ، كذلك إذا قلنا لا غير ، وكذلك القول في سائر الحروف التي جرت مجرى هذا إذا حذف منها المضاف إليه وكان معرفة مثل : قدام ، وخلف ، وتحت ، وأمام ، ووراء ، وفوق ، قال الشاعر :
ينجيه من مثل حمام الأغلال |
|
وقع يد عجلى ورجل شملال |
قبّا من تحت وريّا من عال (١) |
وقال آخر :
... ولم يكن لقاؤك إلا من وراء وراء (٢)
__________________
(١) اللسان ١٤ / ١٥ ، ١٩ / ٣٦ نسبه لدكين بن رجاء السعدي.
(٢) قائله عتي بن مالك العقيلي. شرح ابن يعيش ٤ / ٨٧.