للفعل به ، وحروف الجرّ إذا دخلت على ما لا ينصرف ، دخلت على شيء مشبه للفعل ، فلم يكن لها فيه تأثير ؛ لأنها صادفت ما يشبه الفعل.
والجواب الثاني : أن يقال قد رأينا الفعل تضاف إليه أسماء الزمان كقولك : " هذا يوم ينفع زيد" والإضافة بمحلّ حروف الجر ، ولم نره يضاف ولا يدخل عليها الألف واللام ، فلما جاز أن يضاف إلى الفعل في حال ، لم يكن دخول حروف الجر على الاسم المشبه له مما يخرجه عن شبهه.
فإن قال قائل : فقد رأينا الألف واللام يدخلان على الفعل ،
كقول الشاعر :
فيستخرج اليربوع من نافقائه |
|
ومن حجره ذي الشيخة اليتقصّع (١) |
أراد : الذي يتقصّع. قيل له : هذا شاذّ من أقبح ما يكون في ضرورة الشاعر ولا يحتج بمثله.
والذي دعا الشاعر إلى ذلك ، مع الضرورة ، أنه رأى الألف واللام تكون بمعنى" الذي" كقولك : " مررت بالقائم" ، أي بالذي قام ، فجعل" اليتقصّع" بمعنى الذي يتقصّع ، وأخطأ في ذلك ؛ لأن الألف واللام إذا كانتا بمعنى" الذي" نقل لفظ الفعل إلى اسم الفاعل.
والجواب الثالث : هو أن عوامل الأسماء لا تدخل على الأفعال ، وعوامل الأفعال لا تدخل على الأسماء ، فلو صرفنا الاسم بدخول حرف الجر عليه ، لوجب أن تصرفه في كل حال ، من قبل أنه لا بدّ له في شيء من أحواله من دخول عامل عليه من عوامل الأسماء ، نحو إن وأخواتها ، وكان وأخواتها ، وظننت وأخواتها ، والابتداء والفعل وهذه الأشياء كلها لا تدخل على الأفعال ، فلو صرفنا الاسم لأجل هذه العوامل ، لبطل منع الصّرف البتّة.
والجواب الرابع : هو أن الصّرف إنما هو جواز الجرّ والتنوين في الاسم ، ولا ينفرد أحدهما من صاحبه ، ومتى دخله التنوين جاز فيه الجر ، ومتى جاز فيه الجر دخله التنوين ، فإذا أضيف الاسم ، أو دخله الألف واللام ، فالإضافة والألف واللام يقومان مقام التنوين ، فكأن الاسم قد نوّن ، وإذا نوّن جاز دخول الجر عليه ، وليس كذلك إذا دخله حرف من
__________________
(١) منسوب لذي الخرق الطهوي في خزانة الأدب ١ / ١٦ ، وهو بلا نسبة في شرح ابن يعيش ١ / ٢٥.