و" فلان عنده علم" وإن لم يعنوا به الحضرة. وقد كان حكم" عند" في البناء حكم" لدن" لو لا ما لحقها من التصريف الذي ذكرناه ، و" لدن" لا يتجاوز بها حضرة الشيء ؛ فلذلك بني.
فأما من قال : لدن ولدن ولدا ، فإنه يبنى آخره على السكون من جهة البناء.
وأما من قال : لد ، فهو محذوف النون من : لدن.
فإن قال قائل : ولم زعمتم ذلك؟ وهلا كانت حرفا على حياله؟
فالجواب في ذلك أنها لو كانت حرفا على حياله ، ولم تكن مخففة من" لدن" لكانت مبنية على السكون لا غير ، لحكم البناء الذي ذكرناه. ومثل ذلك قولهم : رب ، وربّ ، مخففة ومشددة. ولو كانت المخففة كلمة على حيالها لكانت ساكنة لا غير ؛ إذ كانت حرفا جاء لمعنى. ومثل ذلك : " منذ" و" مذ" ، والأصل : منذ ، و" مذ" مخففة منها. وعليها دليلان.
أحدهما : أن من العرب من يقول : " مذ".
والثاني : أنّا نضم الذال لالتقاء الساكنين بالحركة التي كانت فيها مع النون في قولك : منذ.
وأما من قال : لدن ، ولدن ، فكسر النون لالتقاء الساكنين.
وأما من سكن الدال ، فإنه بنى باقي الكلمة بعد الحذف والتخفيف.
واعلم أن حكم" لدن" أن تخفض بها على الإضافة ؛ لأن النون من أصل الكلمة بمنزلة الدال من" عند" كما قال الله عزوجل : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)(١) غير أن من العرب من ينصب بها" غدوة" فيقول : " من لدن غدوة".
قال الشاعر :
لدن غدوة حتى ألاذ بخفّها |
|
بقية منقوص من الظلّ قالص (٢) |
وإنما يفعل ذلك ، لأنه ينزع النون عنها ، فيقول : " لد" ويدخلها فيقول : " لدن" ، فشبهت بنون" عشرين" حين قالوا : " عشر وزيد" و" عشرون درهما" ، إلا أن نون" عشرين"
__________________
(١) سورة النمل ، آية ٦.
(٢) البيت بلا نسبة في شرح ابن يعيش ٤ / ١٠٠.