فاقدحوا يا ذوي البصائر زند متواريات الأحزان بين الجوانح ، واستشبّوا متّقدات الأشجان في رؤوس رواسي الجوارح ، واتركوا متموّجات الأجفان في رياض الخدود سوافح ، واقطعوا جرثومات السلوان بباترات هذه الفوادح ، واسقوا ايكات الإطمئنان بمنهمر هذه القوادح ، وصوّحوا روضات الافتتان بسمائم الوجد اللوافح ، وتذكّروا ما وقع على علّة الإمكان من الأرزاء الجوائح وما لاقاه من الخطوب الّتي يحقّ لسماع ذكرها أن تسكن النفوس الضرائح.
روي في كتاب المناقب مرفوعاً إلى فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليهالسلام قالت : لمّا دخلت الكعبة شرّفها لله تعالى انسدّ الباب وإذا أنا بخمس نسوة كأنّهنّ الأقمار وعليهنّ ثياب الحرير والإستبرق ، فسلّمن عليّ وجلسن إلى جنبي ، فلمّا وضعت بولدي أمير المؤمنين عليهالسلام خرّ ساجدا لله يتضرّع إلى ربّه ، ثم رفع رأسه الشريف وأذّن وأقام وشهد لله بالوحدانية ولرسول الله بالنبوّة والرسالة ، ولنفسه بالخلافة والولاية ، فبينما أنا كذلك وإذا برسول الله قد دخل ، فلمّا بصر به ولدي قال : « السلام عليك يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته ». فقال النبي : « وعليك السلام يا أخي وشقيقي ومن أقرّ الله به عيني ».
فقال : « يا نبي الله ، أتأذن لي أن أقرأ » ؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « اقرأ ». فابتدأ بصحف آدم فقرأها حتّى لو حضر شيث لأقرّ أنه أعلم بها منه ، ثمّ تلى صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور ، ثم تلا : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) (١). فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « قد أفلح المؤمنون بك ، أنت أميرهم ، تميرهم من علمك ، الحمد لله الذي جمع بيننا ». فنطق الإمام بلسان فصيح وقال : « مدّ يدك يا رسول الله ، فإنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّك محمّد عبده ورسوله ، بك تختم النبوّة ، وبي تختم الولاية » (٢).
__________________
(١) المؤمنون : ٢٣ : ١ ـ ٢.
(٢) ورواه البرسي في مشارق أنوار اليقين : ص ٧٥ مختصراً.