المصرع الرابع
وهو مصرع الحسن صلوات الله وسلامه عليه
تنافسوا يا ذوي العقول في المراتب العالية ، وتفاخروا بإدراك المفاخر في المنازل السامية ، وتيقّنوا أنّه لا يهب الله (١) المراتب إلاّ لمن له أهليّة حلولها ، ولا يسكن رفيع الجنان إلاّ من هو قابل لنزولها ، فهي دار تنافس فيها الموحّدون وتسابق عليها المتّقون ، وهي مسكن المساكين لا مأوى الجبّارين ، ومحلّ العارفين لا منزل الجاهلين ، وسيب الملك الأفضل يناله الأمثل فالأمثل.
ليس ينال القرب إلاّ فتىً |
|
أرقّ طول الليل أجفانه |
كالسيف لا يفري الطلى حدّه |
|
إلاّ إذا فارق أجفانه |
فكلّ من أشرقت عليه الهداية نورها ، وأزاحت عنه غشاوة الشكوك وديجورها ، طوّقت العناية جيده بأطواق الوداد ، وقيّدت أقدامه بأغلال الإنقياد ، وصرفت بصر معرفته تلقاء جمال المحبوب ، وأصمّت أذن بصيرته عن سماع غير نداء المطلوب.
فلهذه المرتبة الجليلة سمت نفوس العارفين ، وعلى إدراك هذه المنزلة النبيلة تفاخرت أرباب اليقين ، ولذلك التذّوا بعناق البيض البواتر في تشاجر المضامير ، وكرهوا إلتزام بيض المناحر في ساميات المقاصير ، وضاجعوا ميل الرماح ، وتجافوا عن مغازلة الخود الرداح ، فكان صرف السموم القتّالة في لهامهم ، صرف
__________________
(١) هذا هو الظاهر ، وفي النسخة : « وتيقّنوا إنّما يهب الله ».