المصرع الخامس
وهو مصرع الحسين عليهالسلام
عرّجوا يا ذوي الأذهان الوقّادة على مراقي الفكر ، وأدلجوا يا أولي البصائر النقادة في ليالي العبر ، وأوتروا سهام الأفكار النفادة من قسيّ النظر ، وتدرّعوا دروع الإدراكات الورّادة عند اعتكار عثير التصور ، وامتطوا قرى القرائح المدّادة في مضامير الخبر ، وهزوّا ذوابل العقل الميّادة ، واطعنوا بها صدور الورد والصدر ، وتصوّروا تكوين النوع الإنساني وإيجاده في عالم القضاء والقدر ، وتيقّنوا أنّ الله أوجده وإن شاء أعاده ، فلا عين ولا أثر ، وأنّ ليس في وجوده لله نفع ولا استفادة ، ولا يناله من عدمه نقص ولا ضرر ، ركبّ فيه القوى جسماً رأى استعداده ، وأبانه في أحسن الصور ، كأنّه بما يعمّه نفعه ليرى انقياده ، بما له به أمر ، ذرأه فبرأه ، واختاره وأراده ، ثمّ كوّن وصوّر ، لقّنه قول « بلى » عند جواب استفهام « ألست بربّك » ؟ وكان ذلك ارفاده وبها نال الظفر.
روي أنّ الحكيم المطلق لمّا أخرج الوجود الإنساني من كتم العدم إلى فضاء الوجود وطرز قامة ذاته بخلع الإفضال والجود ، وأفاض عليه رواشح البقاء اللطيف ، وقيّد جوارحه بقيد التكاليف ، رتّب أفراده بحسب القابليّة ، كما اقتضته الحكمة الإلهيّة ، فأردف كل رتبة بتكليف يوازيها ، وقرن كلّ درجة ببليّة تساويها ، ليحصل بذلك التمييز بين الغثّ والسمين ، ويتبيّن فيما هنالك الصدق من المين ، حفّ كلّ مرتبة جليلة بمصيبة مهولة ، وحذا كلّ درجة نبيلة بفادحة ثقيلة ، كلّ ذلك امتحاناً لمن أبرأ واختباراً لمن أنشأ ، ( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (١).
__________________
(١) سورة القيامة : ٧٥ : ٣٦.