قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء

188/384
*

__________________

ذلك ؟!

فقال أبي : إن الله جلّ ذكره أنزل على نبيّه كتاباً بيّن فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) ، [ النحل : ١٦ : ٨٩ ] ، وفي قوله : ( كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ) [ يس : ٣٦ : ١٢ ] ، وفي قوله : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) [ الأنعام : ٦ : ٣٨ ] ، وفي قوله : ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) [ النمل : ٢٧ : ٧٥ ].

وأوحى الله تعالى إلى نبيّه عليه‌السلام أن لا يُبقى في غيبه وسرّه ومكنون علمه شيئاً إلاّ يناجي به عليّاً ، فأمره أن يؤلّف القرآن من بعده ، ويتولّى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه ، وقال لأصحابه : « حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي عليّ ، فإنه منّي وأنا منه ، له ما لي وعليه ما عليّ ، فهو قاضي دَيني ومنجز موعدي ».

ثمّ قال لأصحابه : « علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ».

ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلاّ عند عليّ عليه‌السلام ، ولذلك قال رسول الله لأصحابه : « أقضاكم علي » أي هو قاضيكم.

وقال عمر بن الخطاب : « لولا عليّ لهلك عمر ». أفيشهد له عمر ويجحد غيره ؟

فأطرق هشام طويلاً ثم رفع رأسه فقال : سل حاجتك.

فقال : خلّفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي.

فقال : قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم ، ولا تقم أكثر من يومك.

فاعتنقه أبي ودعا له وودّعه ، وفعلت أنا كفعل أبي ، ثمّ نهض ونهضت معه ، وخرجنا إلى بابه وإذا ميدان ببابه ، وفي آخر الميدان أناس قعود عدد كثير ، قال أبي : مَن هؤلاء ؟ قال الحجّاب : هؤلاء القسّيسون والرهبان ، وهذا عالم لهم يقعد لهم في كلّ سنة يوماً واحداً يستفتونه فيُفتيهم.

فلفّ أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه ، وفعلت أنا مثل فعل أبي ، فأقبل نحوهم حتّى قعد عندهم ، وقعدت وراء أبي ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام ، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي. فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد شدّ حاجبيه بحريرة صفراء حتّى توسّطنا ، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلّمين عليه ، فجاء إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم ، فأدار نظره ثمّ قال لأبي : أمِنّا أم مِن هذه الأمة المرحومة ؟