المسرة والإبتهاج ، وتدرّع
مدارع الكآبة والأسى ، وطلّق أبكار السلوة والعزا.
ولقد تواترت عنه النقول ؛ من العارفين
به من ذوي العقول ، أنّه في مدّة هذه الشهور لا يجوّز معانقة بيض النحور ، وله في
رثاء سيّد الشهداء شعر كمل رقّة ومعنى ، وكم له من مزايا تشهد له بحلول الصدور ، وصفات
يجب أن ترقم بالنور على جباه الحور ، فما برح آخذاً بأزمّة التوفيق ، سالكاً مسالك
الهداية والتحقيق ، فيا لها مرتبة تقاصر عنها أرباب الدول ، وانحسر عن إدراكها
الملوك الأول.
إلى أن دعاه داعي الكرامة إلى مواطن
البشرى والسلامة ، فأجاب داعي الله ، وانتقل إلى جوار الله ؛ بعد أن جعل الأمر من
بعده لأشرف نسله وولده ، وأذلّ له المعاطس ، وذلّل له الشوامس ، علماً منه
بأهليّته للمنصب السامي ، ومعرفة منه باستحقاقه للجاه المتسامي.
فقام الشبل مقام الأسد ، وفي الفرع ما
في الأصل وأزود ، فماست بطلعته الأيّام في مطارف السرور ، وابتسمت ثغور رياض
الآكام عن أشنب الزّهور ، ورجعت بدولته السنيّة كهول الدهر شباباً ، وعادت بيمن
سلطنته شوارد البشر بواسماً بعد أن ولّت غضاباً ، وفرشت نمارق العدالة على البسيط
، ونقشت درانيك الايالة بفنون التطريز والتنميط ، فللأمان على رؤوس الأنام ظلّ
ممدود ، فترى في جميع المراتع الشياه والأسود ، قد ميّز قسطاس الفراسة بين الناقص
والراجح ، وفرّق نبراس السياسة بين الفاسد والصالح ، فانقادت الجبابرة لأحكامه ، ووضعت
القياصرة جباهها خشية من صليل حسامه ، وتطوّقت الملوك بجوامع الطاعة ، وتقلّبت
السلاطين في بحار الإنقياد بحدّ الإستطاعة ، وأظهرت الأرض أنواع بهجتها ، وماست
ومالت بهبوب مسرّتها ، فهنالك الناس على سُرُر الأمان رقود ، وفوق بساط الاطمئنان
هجود ، وهو السلطان بالتحقيق ، والخاقان الذي هو بالملك حقيق ، قطب فلك الرفعة ، ونقطة
دائرة العز والمنعة ، علم الدين المنشور ، سيف اليقين المشهور ، سنام الفرقة الطاهرة
، ومقلة الحق الباصرة ، ذي الطلعة الشمسيّة ، والمنزلة الفرقدية ، والأوامر
السليمانيّة ، واللويّة ! الفتحية ، والآراء