أقول : أولا : باب العلم في عصر حضور الإمام وفي عصر النبوة ليس مفتوحا مطلقا ، كما أنّ الاجتهاد في استنباط الأحكام أيضا لا يرتفع أيضا مطلقا ، بل الاجتهاد أمر وأصل يعمل به في عصر الحضور كالغيبة ، وباب العلم بالأحكام أيضا منسدّ في عصر الحضور كعصر الغيبة ، غير أنّ دائرة كلّ واحد منها في عصر الحضور أضيق من دائرته في عصر الغيبة ، وإلّا حتّى المتشرّفين بمحاضرهم الشريفة لا بدّ لهم في بعض الموارد من العمل ببعض الظنون المعتبرة ، سيّما إذا كانوا غائبين عن مجلسه وفي الأماكن البعيدة ، فكما أنّ الفصل الزماني بيننا وبين عصر الحضور أوجب توسعة دائرة الاجتهاد وإعمال الاصول العقلائية اللفظية والعقلية ، وجواز العمل بالظنون المعتبرة الشرعية ، كذا الفصل المكاني أيضا ربّما يوجب ذلك ، وكما أنّ شأن اجتهاد مجتهد مثل الشيخ والمحقّق في استنباط الأحكام يظهر في مثل عصورنا هذه ، فكذلك يظهر أيضا في عصورهم عليهمالسلام عند الاحتياج إلى الاجتهاد الذي لا بدّ منه ، ولعلّ هذا هو المراد من التفقّه الذي أمرنا به في عصر الحضور أيضا ، وقال الصادق عليهالسلام فيه : ليت السياط على رءوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام (١) ، ولو لم يكن ذلك كلّه فلا ريب أنّه بعضه.
وثانيا : أنّه قال : وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين ، فمهما تضمّنته الورقة أعمل به. وهذا كلام لا يخلو فهمه لنا من الإشكال ، فهل أراد منه أنّه يحكم بما تضمّنته هذه الورقة من غير مطالبة البينة عن المدّعي ، أو اليمين عمّا ادّعي عليه فيحكم بحكم داود ، أو أنّ الورقة تتضمّن أحكام القضاء ممّا لم يبيّن له من ذي قبل؟
__________________
(١) راجع البحار : ج ١ ص ٢١٣ ح ١٢.