وإذا قيل بالمبنى الثالث ـ مثلاً ـ فالعلم الإجمالي يخرج الواقع المعلوم بتمام حدوده عن موضوع البراءة العقلية ويكون منجَّزاً بالعلم ، وحيث إنّه محتمل في كلّ طرفٍ فيحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية للخروج عن عهدة التكليف المنجَّز. ولكن الصحيح هو : أنّ المبنى الثالث لا يختلف في النتيجة المقصودة في المقام عن المبنى الأول ؛ لأنّ الصورة العلمية الإجمالية على الثالث وإن كانت مطابقةً للواقع بحدّه ولكنّ المفروض على هذا المبنى اندماج عنصري الوضوح والإجمال في تلك الصورة معاً ، وبذلك تميّزت عن الصورة التفصيلية ، وما ينكشف ويتّضح للعالم إنمّا هو المقدار الموازي لعنصر الوضوح في الصورة ، وهذا لا يزيد على الجامع. ومن الواضح أنّ البراءة العقلية إنمّا يرتفع موضوعها بمقدار ما يوازي جانب الوضوح لا الإجمال ؛ لأنّ الإجمال ليس بياناً.
وعليه فالمنجَّز مقدار الجامع لا أكثر على جميع المباني المتقدمة ، وعليه فالعلم الإجمالي لا يقتضي بذاته وجوب الموافقة القطعية.
ويوجد تقريبان لإثبات أنّ العلم الإجمالي يستتبع وجوب الموافقة القطعية :
الأول : ما قد يظهر من بعض كلمات المحقّق الإصفهاني (١) ، وحاصله مركّب من مقدمتين :
الاولى : أنّ ترك الموافقة القطعية بمخالفة أحد الطرفين يعتبر مخالفةً احتماليةً للجامع ؛ لأنّ الجامع إن كان موجوداً ضمن ذلك الطرف فقد خولف ، وإلاّ فلا.
والثانية : أنّ المخالفة الاحتمالية للتكليف المنجَّز غير جائزةٍ عقلاً ؛ لأنّها
__________________
(١) راجع نهاية الدراية ٣ : ٩١ ـ ٩٥.