القيد علّةً أو جزءَ العلّة للفعل ، والتحصيص كما يمكن أن يكون بإضافته إلى أمرٍ مقارنٍ أو متقدمٍ ، كذلك يمكن أن يكون بأمرٍ متأخِّر.
وأمّا فيما يتعلّق بالشرط المتأخِّر للحكم فبأنّ الحكم : تارةً يراد به الجعل ، واخرى يراد به المجعول. أمّا الجعل فهو منوط بقيود الحكم بوجودها التقديري اللحاظي ، لا بوجودها الخارجي ـ كما تقدّم (١) ـ ووجودها اللحاظي مقارن للجعل. وأمّا المجعول فهو وإن كان منوطاً بالوجود الخارجي لقيود الحكم ولكنّه مجرّد افتراض ، وليس وجوداً حقيقياً خارجياً ، فلا محذور في إناطته بأمرٍ متأخِّر.
والتحقيق : أنّ هذا الجواب وحده ليس كافياً ؛ وذلك لأنّ كون شرطٍ قيداً للحكم والوجوب أو للواجب ليس جزافاً ، وإنّما هو تابع للضابط المتقدم ، وحاصله : أنّ ما كان دخيلاً وشرطاً في اتّصاف الفعل بكونه ذا مصلحةٍ يؤخذ قيداً للوجوب ، وما كان دخيلاً وشرطاً في ترتّب المصلحة على الفعل يؤخذ قيداً للواجب.
والجواب المذكور إنّما نظر إلى دخل الشرط بحسب عالم الجعل في تحصيص الواجب ، أو في الوجوب المجعول ، وأغفل ما يكشف عنه ذلك من دخل قيد الواجب في ترتّب المصلحة ووجودها ، ودخل قيد الوجوب في اتّصاف الفعل بكونه ذا مصلحة وترتّب المصلحة أمر تكويني ، واتّصاف الفعل بكونه ذا مصلحةٍ أمر تكويني أيضاً ، فكيف يعقل أن يكون الأمر المتأخّر ، كغسل المستحاضة في ليلة الأحد مؤثِّراً في ترتّب المصلحة على الصوم في نهار السبت السابق إذا اخذ قيداً للواجب؟ وكيف يعقل أن يكون الأمر المتأخّر ، كالغسل المذكور ، مؤثِّراً في اتّصاف الصوم في يوم السبت بكونه ذا مصلحةٍ إذا اخذ قيداً للوجوب؟
__________________
(١) تحت عنوان : قاعدة إمكان الوجوب المشروط.