المحترمة ، فلم يجرأ أحد منهم على ذلك إلّا شابّ (٨) يدعى نوح أفندي ، من أذناب المنافقين ، ومن دعاة التفرقة ، حريص على الدنيا ، فأفتى حسب ما يهواه السلطان وباع دينه بدنيا غيره ، فأصدر فتوى بتكفير الشيعة تحت عنوان : من قتل رافضيّاً واحداً وجبت له الجنّة !! سبّبت قتل عشرات الاُلوف ، فدارت رحى الحرب الداخلية تطحن المسلمين من الجانبين طيلة سبعة أشهر ، إبتداءً من ١٧ رجب سنة ١٠٤٨ ـ ٢٣ محرّم سنة ١٠٤٩ = ١٥ / ١١ / ١٦٣٨ ـ ١٧ / ٥ / ١٦٣٩ حيث عقدت معاهدة الصلح في مدينة قصر شيرين وأدّت إلى انتهاء الحرب.
ولكن ما إن خمدت نيران الحرب إلّا وأشعلوا نيران الفتن لإبادة الشيعة داخل الرقعة العثمانية استناداً إلى هذه الفتوى ، فأخذ السيف منهم كلّ مأخذ ، وأفضعها مجزرة حلب القمعية ، فكانت حلب أشدّ البلاد بلاءً وأعظمها عناءً لأنّها شيعية منذ عهد
____________________________
(٨) توفّي نوح أفندي الحنفي في عام ١٠٧٠ هـ ، ولم يؤرّخوا ولادته ، فلو قُدِّر أنّه عاش سبعين سنة فعند الفتوى ـ في سنة ١٠٤٨ هـ ـ يكون ابن ٤٨ سنة ، ولو كان عُمِّرَ ثمانين سنة يكون عندها ابن ٥٨ سنة ، ولاشك أنّه كان يتواجد عند ذاك من شيوخ الإسلام ومشيخة الدولة العثمانية عشرات العلماء ممّن هو مقدَّم على نوح في سنّه وعلمه وفقهه وشعبيّته ، ولكنّهم صمدوا أمام ضغط البلاط ولم يجرأ أحد منهم على إصدار كلمة واحدة توجب الشقاق والتفريق بين المسلمين وتُتّخذ ذريعة لسفك الدماء ، وسبي النساء ، وذبح الأبرياء وهتك الأعراض ، ونهب الأموال ، وقد قال صلّی الله عليه وآله وسلّم : « من أعان على دم امریءٍ مسلم ، ولو بشطر كلمة ، كُتِب بين عينيه يوم القيامة : آيس من رحمة الله » [كنز العمّال ١٥ : ٣١ بألفاظ مختلفة ومصادر شتّى ، عن أبي هريرة وابن عمر وابن عبّاس ].
وفي رواية : « لو أنّ أهل السماوات وأهل الأرض اجتمعوا على قتل مسلم لَكَبَّهم الله جميعاً على وجوههم في النار ، لو أنّ أهل السماء والأرض اجتمعوا على قتل رجل مسلم لعذّبهم الله بلاعدد ولاحساب » [ كنز العمّال ١٥ : ٣٣ ].
وهذا أمر متسالم عليه بين الفريقين ، مرويٌ بالطريقين ، فقد روى الكليني في الكافي ٢ : ٢٧٤ / ٣ ، والصدوق في كتاب من لايحضره الفقيه ٤ : ٦٨ / ٢٠١ ، وفي عقاب الأعمال : ٣٢٦ ، والبرقي في كتاب المحاسن ، ١٠٣ / ٨٠ ـ وفيه عن أبي جعفر عليه السلام ـ ، والشيخ الطوسي في أماليه ١ : ٢٠١ ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، « من أعان على [ قتل ] مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمتي ».
وروى الكليني في الكافي ٧ : ٢٧٢ / ٨ ، والصدوق في كتاب من لايحضره الفقيه ٤ : ٧٠ / ٢١٤ ، وفي عقاب الأعمال : ٣٢٨ ، عن النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم : « والذي بعثني بالحقّ لو أنّ أهل السماء والأرض شركوا في دم امریءٍ مسلم [ أ ] ورضوا به لأكَبَّهم الله على مناخرهم في النار ».
وما رواه الفريقان في هذا المعنى كثير ، راجع « وسائل الشيعة » ٨ : ٦١٧ ـ ٦١٨ و ١٩ : ٨ ـ ٩ ، و « مستدرك الوسائل » ٣ : ٢٥٠ ـ ٢٥١.