إذا دخلت في جملة احتاجت إلى ما يعيّن نوع المعدود بها ، أهو كتب أم أقلام أم دفاتر ؟ وهذه طبيعة كل ما يحتاج إلى تمييز كالمساحات والأوزان وغيرهما ، فنحن نعرف ( معنى ) المتر والصاع وندرك صورتهما الذهنيّة ، ولكنّنا نحتاج إلى ما يميّز المقصود بهما أهو متر أرض أم قماش ؟ وصاع تمر أم شعير ؟ وهذا بخلاف معنى ( أل ) و ( الذي ) فإنّ صورتهما لا تنطبع في الذهن إلّا وهي ( معلّقة ) بصورة صلتها ( أل f رجل ) ( الذي f جاءني ) وهذا هو معنى افتقار هذه الكلمات إلى الغير ، أي أنّه لايتحصّل لها ( معنى ) في الذهن إلّا وهي مرتبطة ومعلّقة بالغير.
٢ ـ إنّ هذه المحاولة لم تحاول أن تدرس ( الصفة ) دراسة كافية لذلك اختلف دارسوها فالدكتور أنيس جعلها في قسم الإسم ـ كما صنع البصريّون ـ ، والدكتور المخزومي جعلها في قسم الفعل ـ كما صنع الكوفيّون ـ.
ولعلّ ذلك ناشیء من ملاحظة جمل يكون فيها للوصف ( فاعلاً ) أو نائباً عن الفاعل ـ مع أنّ هذه الملاحظة موجودة في المصدر أيضاً ـ فأعرب الكوفيّون ( كاتب ) في جملة : ( أكاتبٌ زيدٌ رسالةً ) فعلاً وسمّوه بـ ( الفعل الدائم ) تمييزاً له عن الماضي والمستقبل ، وتابعهم المخزومي في ذلك (٢٦) ، أمّا البصريون فلأنّهم يعتبرون ( كاتب ) اسماً تكلّموا في إعرابها ، وجعلوا ( كاتب ) مبتدأ و ( زيد ) فاعلاً سدّ مسدّ الخبر.
ولو أنّهم تنبّهوا إلى أنّ الصفة قسم مستقلّ عن الإسم والفعل ، يختلف عنهما في طبيعة تركيبه ودلالته لكان لهم في إعرابها وجه أقرب إلى السلامة من هذا.
ويبدو لي أنّ الصفة تمتاز في إسنادها عن كلّ من إسناد الإسم وإسناد الفعل ، فالإسم لايقع مسنداً إلّا إلى المبتداء ـ ( زيد أخوك ) و ( النخيل نبات ) (٢٧) ـ والفعل لايقع مسنداً إلّا إلى الفاعل ـ قام محمد ، ويكتب علي (٢٨) ـ أمّا الصفة فتمتاز عنهما في أنّها تقع مسنداً لكل من المبتدأ والفاعل ، فكاتب في جملة ( زيد كاتب ) صفة اُسندت إلى المبتدأ ـ من دون حاجة إلی تقدير ضمير فاعل لكاتب كما صنع النحاة
____________________________
(٢٦) في النحو العربي ، قواعد وتطبيق : ٢٣.
(٢٧) أرجو ملاحظة استغراب الدكتور انيس ـ فيما تقدّم ـ من وقوع الإسم مسنداً إسناد الصفة.
(٢٨) أمّا جملة ( علي يكتب ) مثلاً فالفعل فيها ليس خبراً للمبتدأ ؛ لأنّه إمّا مسند إلى ضمير علي والجملة هي الخبر ـ كما هو مذهب البصريّين ـ وإمّا أنّ ( علي ) فاعل تقدّم على فعله كما ذهب الكوفيّون.