وأصل البراءة لا ينفي إلّا المنع عن الترك ، وعلى فرض أن يكون الرّجحان الثابت بالإجماع هو الحاصل في ضمن الوجوب فقط في نفس الأمر ، فمع نفي المنع من الترك بأصل البراءة ، لا يبقى رجحان أصلا لانتفاء الجنس بانتفاء فصله ، وأصل البراءة من المنع عن الترك لا يوجب كون الثابت بالإجماع في نفس الأمر هو الاستحباب ، فكيف يحكم بالاستحباب؟
نعم ، يصحّ ترجيح الحديث الدالّ على الاستحباب ، على الحديث الدالّ على الوجوب ، بسبب اعتضاده بأصل البراءة ، وهذا ليس مراده ، وإنّما المناسب لما رامه (١) من المثال هو أن يقال في نجاسة عرق الجنب من الحرام مثلا ، أنّ خبر الواحد الوارد في ذلك أو الإجماع المنقول الدالّ على ذلك لا حجّة فيه ، والأصل براءة الذمّة عن وجوب الاجتناب. وحينئذ فالجواب (٢) عن ذلك يظهر ممّا قدّمنا ، من منع حصول الجزم أو الظنّ بأصل البراءة مع ورود الخبر الصحيح.
وبما ذكرنا ، ظهر أنّ حكم غسل الجمعة نظير الجهر بالتسمية والإخفات على ما فهمه.
والحاصل ، أنّ الكلام فيما كان خبر الواحد الظنّي في مقابل أصل البراءة وفي غسل الجمعة ، الحكم بمطلق الرّجحان القطعيّ الحاصل من الإجماع ، والنوعين من الأخبار الواردة فيه في مقابل أصل البراءة.
قوله : وأمّا فيما لم تكن مندوحة ... الخ.
إن أراد أنّ هذا التخيير الذي هو في معنى أصل البراءة في مقابل الدّليل الظنّي
__________________
(١) بمعنى طلبه.
(٢) فالجواب عن هذا الجواب يظهر مما قدمنا أيضا.