ولا يبحث في علم الأصول عن سائر الأوضاع المادية (١) ، مثل أنّ الصّعيد هو التراب أو وجه الأرض ، وهل الإنفحة (٢) هو الكرش أو الشيء الأصفر الذي ينجمد فيه اللّباء وهكذا. ولا ريب أنّ الصدق والكذب من قبيل الصّعيد والإنفحة ، لا من قبيل صيغة (افعل) وأمثالها ، ولا من باب الصّلاة والصّوم وأمثالهما لعدم تجدّد اصطلاح فيهما ، كما أشار إليه التفتازاني.
قلت : ولكن نرى أنّ الاصوليين يبحثون عن معنى الخبر والإنشاء والأمر والنّهي وأمثالها لما يترتّب عليها من الثمرات ، وذلك لأجل احتمال تجدّد الاصطلاح أو دعوى ثبوته وتغاير العرف واللّغة فيها ، ولمّا كان معرفة أمثال المذكورات ممّا يتوقّف عليه معرفة الأحكام الشرعية وطريق استنباطها ، ولذلك يبحث عنها في علم الأصول ، فكذلك ما يتوقّف معرفة المذكورات عليها ، فإذا كان لفظ مستعمل في تعريف المذكورات ، وكان مختلفا فيه في اللّغة ؛ فلا يتمّ معرفة المذكورات إلّا بتحقيق معنى ذلك اللّفظ ، فلفظ الصدق والكذب ممّا يتوقّف عليه معرفة الخبر ، ولا يتمّ البحث عن حال الخبر ولا يتميّز حقيقته إلّا بمعرفتهما ، فليس حالهما مثل حال الصّعيد والإنفحة.
فالتحقيق ، أنّ البحث في هذين اللّفظين من هذه الجهة لا من حيث دعوى تغيير الاصطلاح كما نقل عن الآمدي ، ولا أنّه محض الكلام في المعنى اللّغوي حتّى لا يكون له تعلّق بمباحث الأصول.
__________________
(١) إذ البحث عن هذه الأوضاع من وظيفة علماء متون اللّغة ، ومحلّه كتب اللّغة عادة لا كتب أصول الفقه.
(٢) بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة الخفيفة أو الشديدة كرش الجدي والحمل ما لم يأكلان.