فلا يتوقّف على القرينة نظرا الى غلبة الوقوع ، وهو مع ما فيه من منع الغلبة ، غير واضح المأخذ. وقد أشرنا في تحقيق معنى التبادر أنّ الظهور الحاصل من الغلبة لا يكفي في الترجيح في أمثال ذلك.
نعم ، ربّما حصل التوقّف في ترجيح المجاز الرّاجح (١) المشهور على الحقيقة النادرة ، ولكن أغلبية استعمال بعض معاني المشترك لا يوجب ترجيح إرادته وإن بادر الذّهن الى انفهامه عند الإطلاق ، ولم نقف على قائل به.
والسرّ في ملاحظة الغلبة في جانب المجاز وترجيحه على الحقيقة أو التوقّف في ترجيحه ، هو احتمال حصول النّقل وهجر الحقيقة ، وهو منتف فيما نحن فيه ، إذ كثرة استعمال لفظ العين مثلا في النابعة والباصرة لا يوجب ضعفا في دلالتها على الذّهب ، وكونه من معانيها الحقيقية ، والاستعمال في المعنيين الأوّلين ، لم يحصل من جهة مناسبته في المعنى الثالث (٢) لهما وعلاقة كما كان ذلك في المجاز المشهور ، فافهم ذلك.
احتجّ الحنفيّة بوجوه (٣) :
منها : أنّ الاستثناء خلاف الأصل لاشتماله على مخالفة الحكم الأوّل ، فالدّليل يقتضي عدمه ، تركنا العمل به [في] الجملة الواحدة لدفع محذور الهذريّة (٤) ،
__________________
ـ الرّاجح دون المرجوح. هذا كما في الحاشية. ولا يخفى ان صاحب «الأنيس» قد سلك هذا المسلك المذكور ويمكن ان يكون هو المعني من بعض المتأخرين.
(١) اي الاشكال باحتمال الترجيح.
(٢) كالذهب.
(٣) وذكرها السيّد في «الذريعة» : ١ / ٢٥٣ ، والرازي في «المحصول» : ٢ / ٥٥٩.
(٤) من الهذر يقال : هذر في منطقه أي خلط وتكلّم بما لا ينبغي له ، والهذر بفتحتين اسم منه وهو الهذيان ، وأهذر في كلامه أي أكثر.