الندمان ، ولم يستعمل الملاهي ، فإننا نعذره في الأوصاف ، سيّما ما يكون منها مقترحاً عليه ، لأنها تقع في زمنها لأسباب مجهولة ، لا يصح الحكم عليها بشيء ، والوصف بمجرّده لا يقدح بصاحبه ، وإن أظهره بمظهر الحاضر المشاهد» (٢١).
وكذلك هم يقولون : « ... ولا يليق بنا أن نمدح الشريف الرضي بأن شعره خال من المجون الذي كان شائعاً في ذلك العصر ، فهو أجل قدراً ، وأرفع شأناً من أن نمدحه بذلك. كما ان شعره خال من وصف الخمرة ، وإن وصفها كثير من الشعراء الذين لا يتعاطونها. ولكن الشريف لم يصفها إلّا بسؤال من سأله ذلك على لسان بعض الناس ، فوصفها بعدة أبيات لم يصفها بغيرها» (٢٢).
وأخيراً ، فإننا حين نسمع الشريف الرضي يقول :
وقور فلا الألحان تأسر عزمتي |
|
ولا تمكر الصهباء لي حين أشرب |
فإننا نعرف : إن ذلك ما هو إلا استرسال شاعر ، لا يمكن أن يريد به معناه الحقيقي المطابقي أبداً ، وإنما يريد به التأكيد على لازم المعنى ليس الا ، ثم هو يتبع ذلك بقوله :
ولا أعرف الفحشاء إلّا بوصفها |
|
ولا أنطق العوراء والقلب مغضب |
وبعد كل ما تقدم ، نقول : انه إذا كان السيد الشريف يتحاشى حتى عن إيراد الكلمات النابية حتى وهو في مقام الهجاء في شعره. وإذا كان يترسم طريق العفة والشرف والكرامة ، ولا يجيز لنفسه أن يصدر فيه شيء مما يتعاطاه الشعراء حتى أهل النبل والكرامة منهم ، وإذا كان يربأ بنفسه حتى عن وصف الخمرة ومجالس اللهو والغناء ، فإننا لا نستطيع أن نتصوره مشاركاً في تلك المجالس أو ممعناً في تناول النبيذ الذي يعتقد حرمته تديناً ، وهو الرجل الزاهد الورع ، والنزيه الجليل ، الشريف النفس ، عالي الهمة ، ولا سيما وهو يعلم أن هذه المجالس ، وتلكم الأحوال لا تخلو من صدور شيء مما يتنافي مع الشرف والكرامة والسؤود. وهكذا ، فإننا نجد أنفسنا مضطرين لقبول قول بعض الباحثين انه رحمه الله : «لم يجالس الخلفاء والظرفاء ، الذين يستخفون بالنواميس في أيام شبيبته» (٢٣).
________________________________
(٢١) حقائق التأويل ، مقدمة الحلي : ٥٣.
(٢٢) أعيان الشيعة ٩ : ٢١٧.
(٢٣) حقائق التأويل ، مقدمة الشيخ عبدالحسين الحلّي : ٥٠.