والولاية على الحج ، والكلّ يتطلب خصوصيات وصفات نفسانية عالية ، وسجايا أخلاقية رفيعة جداً ، حتى أنه يجب أن يكون ظاهر العفة ، قليل الطمع ، كثير الورع ، لا يعقل أن يقوم بما جاء ذكره في القصّة السابقة التي لا توجد إلّا في علبة القصاصين وجعبة الوضاعين.
*
كلّ ما مرّ عليك من الأكاذيب والتهم كان يختص إما بالشريف الرضي أو أخيه المرتضى ، وكان الهدف من وراء وضع هذه التهم تكبير هذا بتصغير ذاك أو بالعكس ، هذا يرشد الى ان كليهما كانا موضع حقد البعض وبغضهم وحسدهم ، لا أحدهما خاصة.
ويؤيد ذلك ما اتهما به على وجه الإشتراك ، وأوّل مارميا به ما ذكره ابن خلّكان في تاريخه إذ قال : اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب ، هل هو جمعه ، أو جمع أخيه الرضي ، وقد قيل انه ليس من كلام «عليّ» إنما الذي جمعه ونسبه اليه ، هو الذي وضعه (٣١).
وتبعه اليافعي ـ من دون تحقيق ـ وردّد نفس ما قاله ابن خلكان في تاريخه (٣٢).
فما تورّط فيه هذان الكاتبان من نسبة الكتاب الى علم الهدى واتهامه بوضعه أو عزو ذلك إلى سيّدنا الشريف الرضي ، مما لا يُقام له في سوق الحقائق وزن ، وليس له مناخ إلّا حيث تربض فيه العصبية العمياء وهو يكشف عن جهل اُولئك.
وبما انه قد قام عدة من المحققين بنقد هذه النسبة بوضع تأليف قيمة حول : ما هو نهج البلاغة ؟ وذكر مصادره المؤلّفة قبل أن يولد الرضي أو الشريف المرتضى ، فنحن نضرب عن ذلك صفحاً ونمرّ عليه كراماً.
وفي كتاب مصادر نهج البلاغة للعلامة الخطيب السيد عبدالزهراء الحسني ، وما كتبه الاُستاذ عبدالله نعمة ، وماأفرده العلامة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء في ذلك المضمار ، وطبع مع كتابه مستدرك نهج البلاغة غنى وكفاية في دحض الشبهة ، وإبطال الفرية ، والله الهادي.
________________________________
(٣١) وفيات الأعيان ٣ : ٣١٣ ، بيروت ، ط دارالثقافة.
(٣٢) لاحظ الروضات ٤ : ٣٠٤ ، ولاحظ الرياض ٤ : ٥٥.