لا يلبث (١) القرناء أن يتفرقوا |
|
ليل يكرّ عليهم ونهار |
قال : لئن أذنت لي لأسمعنّك من شعري ما هو أحسن من هذا ، فأمرت به ، فأخرج ، فعاد إليها من الغد ، وحولها جوار مولّدات ، كأنهن (٢) التماثيل عن يمينها وعن شمالها ، فأبصر الفرزدق واحدة منهن ، كأنها ظبية ، أدماء ، فمات عشقا لها ، وجنونا بها ، وقالت : يا فرزدق ، من أشعر الناس؟ قال : أنا ، قالت : ليس كذلك ، أشعر منك الذي يقول (٣) :
إن العيون التي في طرفها مرض (٤) |
|
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا |
يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به |
|
وهن أضعف خلق الله أركانا |
فقال : يا ابنة (٥) رسول الله ، إنّ لي عليك حقا عظيما لموالاتي لك ولآبائك ، وإني صرت (٦) إليك من مكة قاصدا لك إرادة التسليم عليك ، فلقيت في مدخلي إليك من التكذيب لي ، وتعنيفي ومنعك إياي أن أسمعك شعري ما قطع ظهري ، وعيل صبري ، والمنايا تغدو وتروح ، ولا أدري لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت ، فإن أنا مت فمري من يدفني في درع (٧) هذه الجارية ، وأومأ إلى الجارية التي كلف بها ، فضحكت سكينة حتى كادت تخرج من بردها (٨) ، وأمرت له بألف درهم وكسى وطيب ، وأمرت له بالجارية يجتمع إليها وقالت : يا أبا فراس ، إنما أنت واحد منا أهل البيت ـ لا يسؤك ما جرى ، خذ ما أمرنا لك به ، وأحسن إلى الجارية ، وأكرم صحبتها (٩). قال الفرزدق : فلم أزل أرى البركة بدعائها في نفسي ومالي.
قال أبو عبيدة :
أول حمام بني بالبصرة حمام منجاب السعدي (١٠) ، وإن الفرزدق (١١) كان ذات يوم على
__________________
(١) أنساب الأشراف : يبرح.
(٢) بالأصل : «كان» والمثبت عن أنساب الأشراف.
(٣) البيتان لجرير ، وهما في ديوانه ص ٤٥٢ من قصيدة يهجو الأخطل ، مطلعها :
بان الخليط ولو طوعت ما بانا |
|
وقطعوا من حبال الوصل أقرانا |
(٤) الديوان : حور.
(٥) الأغاني وأنساب الأشراف : يا بنت.
(٦) أنساب الأشراف : ضربت إليك.
(٧) أنساب الأشراف والأغاني : حر.
(٨) الأغاني : ثيابها.
(٩) زيد في الأغاني وأنساب الأشراف : فقد آثرتك بها على نفسي.
(١٠) حمام منجاب بكسر الميم ، بالبصرة ، ينسب إلى منجاب بن راشد الضبي ، (معجم البلدان ٢ / ٢٩٩).
(١١) الخبر رواه ياقوت في معجم البلدان (حمام منجاب) وفيه : قرأت بخط ابن برد الخيار الصولي قال ابن سيرين : مرت امرأة برجل ، وذكره.