لما هرب الفرزدق من زياد حين استعدى (١) عليه بنو نهشل في هجائه أباهم (٢) أتى سعيدا (٣) ، وهو على المدينة أيام معاوية ، فاستجاره فأجاره ، والحطيئة وكعب بن جعيل حاضراه فأنشده الفرزدق (٤) :
ترى النفر (٥) الجحاجح من قريش |
|
إذا ما الأمر (٦) في الحدثان آلى |
بني عم النبي ورهط عمرو |
|
وعثمان الألى غلبوا فعالا |
قياما ينظرون إلى سعيد |
|
كأنهم يرون به هلالا |
فقال الحطيئة : هذا والله الشعر ، لا ما تعلّل به منذ اليوم أيها الأمير ، فقال كعب بن جعيل : فضّله على نفسك ، ولا تفضّله على غيرك ، فقال : بلى والله أفضله على نفسي وعلى غيري. أدركت من قبلك وسبقت من بعدك [ثم قال له الحطيئة يا غلام](٧) لئن بقيت لتبرزنّ علينا. ثم قال له الحطيئة : يا غلام ، أنجدت (٨) أمّك؟ قال : لا بل أبي. يريد الحطيئة : إن كانت أمّك أنجدت ، فإني أصبتها ، فأشبهتني (٩) ، فألفاه لقن الجواب فنعاه عليه الطرماح حين هجاه فقال (١٠) :
فاسأل قفيرة (١١) بالمرّوت (١٢) هل شهدت |
|
سوط (١٣) الحطيئة بين السّجف (١٤) والنّضد |
__________________
(١) عند الجمحي : استعان.
(٢) كذا بالأصل ، وفي طبقات الشعراء : إياهم.
(٣) يعني سعيد بن العاصي.
(٤) الأبيات في ديوان الفرزدق ٢ / ٧٠ ـ ٧١ من قصيدة يمدح سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية. والأول والثالث في الأغاني ٢١ / ٣٢١.
(٥) طبقات الشعراء والأغاني : الغرّ.
(٦) الأغاني : الخطب.
(٧) ما بين معكوفتين استدركت لاقتضاء السياق عن طبقات الشعراء.
(٨) يعني أنجد إلى بلاد نجد.
(٩) يريد في قول الشعر ، والعبارة في الأغاني ٢١ / ٣٢٣ إذ شابهتني في الشعر.
(١٠) الأبيات في ديوانه ص ١٦٨ ـ ١٧٠ وطبقات الشعراء للجمحي ص ١١٢ والشعر والشعراء ص ٣٧٣.
(١١) قفيرة هي أم صعصعة ، جد الفرزدق ، وهي قفيرة بنت سكين بن عبد الله بن دارم ، وكانت أمها أمة ، وهبها كسرى لزرارة فرهنها زرارة لهند بنت يثربى بن عدس. فوثب أخو زوجها واسمه سكين بن حارثة بن زيد بن عبد الله بن دارم على الأمة فأحبلها فولدت له قفيرة. وكان جرير يعيب بها الفرزدق. (الشعر والشعراء ص ٢٩٠).
(١٢) المروت : نهر ، وقيل : أجبل بالعالية ، انظر معجم البلدان.
(١٣) في الشعر والشعراء : عسب.
(١٤) الشعر والشعراء : «الكسر» والذي بالأصل : «السخف» والمثبت عن طبقات الشعراء.