فقال له الفرزدق : مالك؟ قال : إني مكاتب ، وقد عجزت ، قال : وكم كتابك؟ قال : ألف درهم ، قال : لك ألف لكتابك ، وألف معونة لك ، ولك ناقة سوداء ، ولك كسوة سابغة ، قال : فأعطني ، قال : والله لا تريم من مكانك حتى أفي لك بما قلت ، فعجل ذلك ليله.
ولما (١) وجه الحجاج بتميم بن زيد (٢) إلى السند (٣) قدم البصرة فحمل من أهلها قوما كثيرا ، وحمل معه رجلا قصابا ، يقال له خنيس (٤). فلما نظرت أمه إلى ذلك ركبت بعيرا لها ، ولحقت بقبر غالب ، فحملت منه حصيات ، ثم أتت بهن الفرزدق ، فألقتهن على بابه ، فخرج مذعورا ، فقال : ما بك؟ قالت : ابني وواحدي ، قال : وأين هو؟ قالت : مع تميم ابن زيد (٥) بالسند ، فدعا برجل ، فقال : اكتب ما أمليه عليك ، فكتب (٦) :
تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتي |
|
بظهر فلا يعيا (٧) على جوابها |
وهب لي خنيسا (٨) واحتسب (٩) فيه منّة |
|
لعبرة (١٠) أم ما يسوغ شرابها |
أتتني فعاذت يا تميم بغالب |
|
وبالحفرة السافي عليها ترابها |
وقد علم الأقوام أنك ماجد |
|
وليث إذا ما الحرب شبّ شبابها (١١) |
فلما قرأ تميم الكتاب لم يدر حبيش (١٢) ، أم خنيس (١٣) ، فقال : انظروا من كان في هذا العسكر له هذا الاسم ، فرجعوا به إلى الفرزدق ، فأصابوا ستة (١٤) نفر من خنيس وحبيش فوجّه
__________________
(١) الخبر والأبيات في الأغاني ٢١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ و ٣٦٤ و ٣٩٨ والكامل للمبرد ٢ / ٦١١ ـ ٦١٢ ووفيات ٦ / ٨٦ وأنساب الأشراف ١٢ / ٧٤.
(٢) بالأصل : «بدر» تصحيف ، والصواب عن المصادر السابقة.
(٣) انظر تاريخ خليفة بن خياط ص ٣٥٩ وفيه أن هشام بن عبد الملك عزل خالد بن عبد الله بن الجنيد عن السند وولى تميم بن زيد القيني. وهو تميم بن زيد القضاعي ثم أحد بني القين بن جسر،كما في الأغاني ٢١ / ٣٥٣.
(٤) في أنساب الأشراف والأغاني : «حبيش» في أنساب الأشراف : فتى من تميم ثم من بني يربوع ، وأمه من طيئ.
(٥) بالأصل : بدر.
(٦) والأبيات في ديوان الفرزدق ١ / ٨٥ ـ ٨٦.
(٧) أنساب الأشراف : «يخفى عليك» وفي الأغاني : «يخفى علي».
(٨) الأغاني وأنساب الأشراف : «حبيشا» ورسمت في الكامل : حسا.
(٩) الأغاني وأنساب الأشراف : واتخذ.
(١٠) الأغاني : «لغصّة» وأنساب الأشراف : «فحوبة».
(١١) في وفيات الأعيان والكامل : «شهابها» وليس البيت في الديوان ولا الأغاني ولا أنساب الأشراف.
(١٢) بدون إعجام بالأصل ، والمثبت عن الأغاني وأنساب الأشراف.
(١٣) أنساب الأشراف : حنيش.
(١٤) في أنساب الأشراف : «ثمانية عشر رجلا» وفي الأغاني : عدة.