فجعلهما في كميه ، ثم دخل بهما على ملكهم ، فنثرهما ، فلمّا رآهما ملك الجبارين قال : اذهبوا فاجهدوا علينا! فخرجوا حتى أتوا موسى ، فأخبروه ، فقال : اكتموا علينا. فجعل الرجل يخبر أخاه وأباه وصديقه ويقول اكتم عليّ. فأشعر ذلك في عسكرهم ، ولم يكتم منهم إلّا رجلان : يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ، وهما اللذان أنزل الله فيها : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) [سورة المائدة ، الآية : ٢٣]. فقال أصحاب موسى : لسنا نقاتلهم ، (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٢٤] ، فنزل : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) [سورة المائدة ، الآية : ٢٥] ، فتاهوا أربعين سنة ، فهلك موسى وهارون في التّيه ، وكلّ من جاوز الأربعين (١) ، فلمّا مرّت الأربعون ناهضهم يوشع بن نون ، وهو الذي قام بالأمر من بعد موسى ، وهو الذي افتتحها ، وهو الذي قيل له : إنّ اليوم يوم الجمعة ، فهموا بافتتاحها ، ودنت الشمس للغروب ، فخشي إن دخلت عليه ليلة السبت أن يسبتوا ، فنادى الشمس : إنّي مأمور. وإنّك مأمورة ، فوقفت حتى افتتحها. قال : فوجدوا فيها من الأموال ما لم يروا مثله ، فقرّبوه للنار فلم تأكله ، فقال أفيكم غلول ، فدعا رؤساء الأسباط ، وهم اثنا عشر رجلا ، فبايعهم ، فالتصقت يد رجل منهم بيده. فقال : الغلول في أصحابك ، فبايعهم كما بايعت ، فمن التصقت يده بيدك فالغلول عنده ، فبايعهم ، فالتصقت يده بيد رجل منهم ، فقال : الغلول عندك ، فأخرجه ، فأخرج رأس بقرة من ذهب ، لها عينان من ياقوت ، وأسنان من لؤلؤ مرصعة [فقرب] مع القربان ، فأتت النار ، فأكلته.
قال أحمد بن حنبل (٢) : حدّثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو بكر ـ يعني ابن عياش ـ عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«إنّ الشمس لم تحبس على بشر إلّا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس» [١٤٤٣٦].
قال أحمد : لم أسمعه إلّا من الأسود ، وأبو بكر يضطرب في حديث هؤلاء الصغار ، فأما حديثه عن أولئك الكبار فما أقر به عن أبي حصين وعاصم وانه لمضطرب عن أبي إسحاق أو نحو ذلك. قال : ليس هو مثل سفيان وزائدة وزهير ، وكان سفيان فوق هؤلاء وأحفظ.
__________________
(١) في تاريخ الطبري : فكل من دخل التيه ممن جاوز العشرين مات في التيه.
(٢) رواه أحمد بن حنبل في المسند ٣ / ٢١٤ رقم ٨٣٢٢ ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٣٧٦ نقلا عن الإمام أحمد.