وقال يوسف (١) : قيل لذي النون : ما بال الحكمة لها حلاوة من أفواه الحكماء؟ قال : لقرب عهدها بالربّ ـ عزوجل.
وقيل ليوسف بن الحسين : يا أبا يعقوب ، هل لك همّ غد؟ قال : يا سيدي ، من كثرة همومنا اليوم لا نفرغ لهم. فأجابه الجنيد :
يكفي الحكيم من التنبيه أيسره |
|
فيعرف الكيف والتكوين والسببا |
فكن بحيث مراد الحق منك ولا |
|
تزل مع القصد في التمكين منتصبا |
إن السبيل إلى مرضاته نظر |
|
فما عليك له يرضى كما غضبا |
ثم قال : من كان ظاهره عامرا فباطنه خراب ، ومن كان ظاهره خرابا كان باطنه عامرا ، والدليل عليه النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه.
قال أبو الحسين الدّرّاج (٢) :
قصدت يوسف بن الحسين الرازي من بغداد ، فلما دخلت الرّيّ سألت عن منزله ، فكل من أسأل يقول (٣) : أيش تفعل بذلك الزنديق؟ فضيّقوا صدري ، حتى عزمت على الانصراف ، فبتّ تلك الليلة في مسجد ، ثم قلت : جئت هذا البلد ، فلا أقلّ من زيارة! فلم أزل أسأل عنه حتى دفعت (٤) إلى مسجده وهو قاعد في المحراب ، بين يديه [رجل عليه](٥) يقرأ ، وإذا هو شيخ بهي ، حسن الوجه واللحية ، فدنوت ، فسلمت ، فردّ السلام ، وقال : من أين أنت؟ فقلت من بغداد ، قصدت زيارة الشيخ. فقال : لو أن في بعض البلدان قال لك إنسان : أقم عندي حتى أشتري لك دارا وجارية أكان يمنعك عن زيارتي؟ فقلت : يا سيدي ، ما امتحنني الله بشيء من ذلك ، ولو كان لا أدري كيف كنت أكون ، فقال : تحسن أن تقول شيئا؟ قلت : نعم ، وقلت :
رأيتك تبني دائما (٦) في قطيعتي |
|
ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني (٧) |
__________________
(١) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣١٦.
(٢) الخبر رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣١٧ ـ ٣١ ومن طريقه رواه أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية ص ٣٤٥ وباختلاف الرواية في حلية الأولياء ١٠ / ٢٤٠.
(٣) في تاريخ بغداد والرسالة القشيرية : فكل من أسأل عنه يقول لي.
(٤) في تاريخ بغداد : «وقعت».
(٥) ما بين معكوفتين سقط من مختصر أبي شامة ، واستدرك عن تاريخ بغداد والرسالة القشيرية.
(٦) في تاريخ بغداد والرسالة القشيرية : دائبا.
(٧) زاد في حلية الأولياء بيتا آخر ، وروايته :