وكن يخرجن من بيوتهن بحجة زيارة الأقارب. لقد تشكلت واتضحت المظاهر البارزة للحضارة الإسلامية في خمسين سنة. لكنه يصور الصرامة الكامنة في قضية الماء على الصعيد المدني الصرف. ولنقل مرة أخرى إن ما جدّ في عملية مصعب يسمح عموما بإثراء رؤيتنا للكوفة من عدة وجوه. وها نحن نتعرض لمسألة أو مسألتين أخريين.
من جديد نقاط الدخول : السبخة والجبانة والكناسة.
كان على مصعب أن يقطع على المحاصرين في القصر كل خطوط التموين أي على ما يقرب من ٦٠٠٠ شخص. كيف سيتم هذا العمل الصّارم؟ عسكر مصعب نفسه بالسبخة ونصب قادته بالكناسة وفي جبانة السبيع ، وجبانة كندة ، وجبانة مراد ، وجبانة الصائديين (١). والمعتقد أن هذا المواقع كانت تمنع كل اتصال بالخارج فهي تمثل لذلك المخارج والمداخل الرئيسة وهي تراقب البقية أيضا ، وتراقب طرق الخروج. تقدمت هذه الحشود بحذر في مرحلة ثانية ، كل حشد من الموقع المحدد له ، وجهتها المساحة المركزية لتطويق القصر (٢). وليتم التعرف على هذه النقط الأساسية كان واجبا الربط بين المرحلتين واعتماد هذه الحركة الزاحفة.
ـ استهدف احتلال السبخة القضاء على كل اتصال عبر الفرات من أسفل ومن أعلى. فالسبخة تفصل الكوفة عن الفرات إذ إن أعلى نقطة في الشمال هي جسر المراكب ، الجسر الذي عينّ ماسينيون موقعه جيدا (٣). لكن السبخة تتجه أيضا إلى الجنوب ، ولا بدّ أنها تتسع عندما تلحق بمشارف بطائح الكوفة (٤) وفي اتجاه البصرة.
كانت جبّانة كندة ومراد والكناسة أيضا ، على حاشية الحزام الواقع جنوبي الجنوب الغربي. وكانت لها الوظائف نفسها تقريبا ، أي الاتصال بالطريق الكبرى للحج التي تمتد حتى بلاد العرب (٥) ، مع اعتبار أن هذه الطريق بالذات ، طريق الظهر ، تنحرف إلى البصرة كما إلى الحيرة (٦).
ـ تقفل جبانة السبيع المدخل في الشمال ، بداية في وجه النجدات القادمة من عشائر
__________________
(١) الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٥ وأنساب الأشراف ، ج ٥ ، ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.
(٢) المرجع نفسه ، ص ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٣) op.cit., ، انظر الخارطة.
(٤) هذا ما يمكن استنتاجه من تقدم مصعب : الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٤.
(٥) كتاب البلدان ص ٣١١ ؛ صالح العلي ، مقال مذكور ، ص ٢٥ وما بعدها.
(٦) الطبري ، ج ٦ ، ص ٩٩.