ـ ١١ ـ
مدينة بلا وجه
هل هي مدينة إسلامية؟ هل من يقين في هذا المضمار؟ هذا تساؤل مطروح من طرف الاستشراق ويعلل بالتصور الآتي : بما أنه اتضح وجود فترتين في تاريخ هذه المدينة ، فترة أولى (أمددها بعضهم إلى القرن الحادي عشر) ربما تميزت بشبهها بالعصور القديمة اليونانية والفارسية والبابلية والبيزنطية ، فيستنتج أن المدينة الاسلامية طالما اتسمت ببعض الاستقلالية في مؤسساتها ، وبكونها منفتحة واسعة في مخططها ، وبما أن هذه التشابهات والاقتباسات والتأثيرات واردة ، فالرأي أن هذه المدينة لم تكن إسلامية (١). وجملة القول إن الاسلام لا يصبح إسلاميا كما قيل ، إلا في عصر متأخر. إن الإسلام الأولي المقاتل والعربي ، وكذلك الاسلام المعتد في العصر العباسي ، ذاك الاسلام المتردد بين قطب استبطان المحيط الثقافي وقطب المقاومة ، في حركة جدلية قوية ، يفقد صفته الاسلامية والمدينة من وراء ذلك. وهكذا ، لا يمكن لأية حضارة أن تنسب إلى اسمها إلا حين تنهي بناء ذاتها ، لا في مرحلة التكون ، حتى لو تبين أن هذا التكون تم عن وعي وعمدا. وأحسن من ذلك ، يحدد كيانها الأول بالمؤثرات الحاصلة ، لا بنصيبها من الخلق والابداع.
نزع قيرث أيضا ، وبكيفية أخرى ، الصبغة الاسلامية عن المدينة الاسلامية ، فجعل منها مدينة شرقية. كان واعيا بانتظام الشكل في البداية ، وهو أمر صحيح مهم ، وباختلاله في النهاية ، تبعا لأسلوب النمو على رأيه ، لكنه يتقدم شوطا أبعد من ذلك ويقوم بالتنظير ؛
__________________
(١) Claude Cahen,» Mouvements populaires et autonomisme urbain dans l\'Asie musulmane du : moyen a ? ge «, in Arabica, V) ٨٥٩١ (, pp. ٥٢٢ ـ ٠٥٢, et VI) ٩٥٩١ (, pp. ٥٢ ـ ٦٥, ٣٢٢ ـ ٥٦٢. يلح كاهن على فكرة استرسال الماضي قبل الاسلامي. ويعرض أن يعود إلى فكرة الإسلام بصنفيه. ويختم لابيدوس دراسته عن «المدن الاسلامية والمجتمعات الاسلامية] Ira Lapidus ,Middle Eastern Cities ,p.٣٧ [فيؤكد بوضوح أن «المدن كانت وحدات جسدية لا كيانات اجتماعية موحدة ومحدّدة بصفات اسلامية مميزة».