ـ ١٢ ـ
المدينة العفوية والمدينة المنشأة
وينكشف غرض آخر يتجه إليه الاستشراق ، علاقته أكثر مباشرة بدلالة التخطيط : نعني محور المدن «المنشأة» والمدن «العفوية» التي قال عنها فون غرونيباوم (١) : إن «المستشرقين الفرنسيين المتخصصين في تاريخ المدن ، ولعون به» ، لكن هذا لم يمنع أن يفرض المحور المذكور وجوده على المدارس الاستشراقية الأخرى. وقد سبق لجورج مارسي Georges Marc ? ais أن حدد القضية (٢) ، وكذلك ادمون پوتي Edmond Pauty (٣). يعرض جورج مارسي تعريفا ضيقا إلى أقصى حد للمدينة المنشأة ، حيث تكون الكلمة ـ المفتاح هي عمل من محض إرادة شخص أو عمل اعتباطي (٤). وتتضمن كلمة «اعتباطي» معنى تحقيريا ، على أن هذا الأمر لم يمنع التقليد الاستشراقي كافة تقريبا من اقتباسها ، والغريب أن مؤرخا أكثر كلاسيكية إن صحّ القول ، نعني لاقيدان P.Lavedan لا يقبل مثل هذا التقسيم المتسم بالتصلّب ، مؤكدا أنه «ينبغي إعمال الفكر الدقيق أكثر من التعويل على التفكير الهندسي ، للتعرف على هيمنة أحد الشكلين على الآخر» (٥). إن الفكرة الاساسية التي تستند إليها النظرية الاستشراقية هي أن المدينة «المنشأة» تشكل استثناء في تاريخ الاسلام ، لأنه من النادر أن يكون قد سبق تصورها أو تصميمها. وهي إن وجدت فليس لصالح مجموعة معينة ، بل لصالح الأمير. وبذلك تكون مدينة أميرية أو مقرا للقصر ، وترتبط بوجود أسرة
__________________
(١) Von Grunebaum,» The Structure of the muslim town «, dans Islam. Essays in the nature and growth of a cultural tradition, London, p. ٤٤١.
(٢)» La conception des villes dans l\'Islam «, Revue d\'Alger, n ٠١٠, t. II, ٥٤٩١, pp. ٧١٥ ـ ٣٣٥.
(٣)» Villes spontane ? es et villes cre ? e ? s en Islam «, Annales de l\'Institut d\'Etudes Orientales d\'Alger, t. IX, ١٥٩١, pp. ٢٥ ـ ٥٧.
(٤) Art.cit.,p.,٧١٥.
(٥) P. Lavedan, Ge ? ographie des villes, Paris ٦٣٩١, p. ١١.