ـ ٨ ـ
بنية المجال الداخلي :
الحزام السكني أو الخطط
إن نص سيف هو المصدر الوحيد الذي بين أيدينا (١) ، وهو نص يصعب تأويله لكنه ثري. والغريب في الأمر أن ماسينيون أشار إليه (٢) ، واصفا إياه بأنه «القائمة الوحيدة المتوفرة لدينا عن صفوف المساكن» ، ومع ذلك فلم يعتمده في مخططه القائم أصلا على ما رواه أبو مخنف بخصوص ثورة المختار (٦٦ ـ ٦٧ ه / ٦٨٥ ـ ٦٨٦) وثورة زيد بن علي ، فيبدو مخططه وكأنه مخطط سبري للعصر الأموي. هناك مشكل محير يفرض وجوده على النظر : بما ان المصادر لا تتحدث إلا قليلا عن تحوّل الخطط في العصر الأموي (أشهر التحوّلات جدت عند عبس (٣) وتميم (٤)) ، فمن المعقول أن نجد هيكل الكوفة في أول نشأتها من خلال صورة مقتطعة من العصر الأموي. لكن روايات أبي مخنف تتركنا في حيرة من أمر هذا التناقض الأساسي الموجود بين وفرة الجزئيات الطوبوغرافية وغموض الاتجاه ، وحتى غيابه. وما يخشى أن مواقع القبائل التي ذكرها تتعارض أحيانا بصفة تامة والتصور الذي طرحه سيف. فإما أن يكون هذا التصور خاطئا ، وإما أن تكون رواية أبي مخنف خاطئة. ونلاحظ الشيء نفسه عند مقارنة هذا النص أو ذاك بكتاب البلدان. إن التطابق إن وجد نادر قليل ، وتتراكم الصعوبات في أكثر الأحوال.
ولا تنشأ هذه المصاعب عند المقارنة بين المصادر والعصور فقط. بل إن نص سيف
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤ ـ ٤٥.
(٢) Massignon ,op.cit.,p.٤٤.
(٣) أكد سيف أن سعدا ترك عبسا بالمدائن ، وأنه خصّ أفراد الحاميات والثغور بمواضع خلال فترة الاختطاط ، ولا سيما عبس والحمراء : الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٤ و ٤٥. أما اليعقوبي فقد عين مواقع عبس «إلى جانب المسجد» : كتاب البلدان ، ص ٣١٠. لم يكن المقصود إدخال تغيير على الإقامة داخل الكوفة ، بل هو حضور متأخر.
(٤) أشار ماسينيون إلى هذا الانتقال وأرخه في ٣٧ ه :.Massignon ,op.cit.,p.٧٤. الواقع أن سيفا حدد موقع تميم في سنة ١٧ في الناحية الشرقية ، ونحن نجدهم بناحية الكناسة في أخبار أبي مخنف.