أن ذلك خطأ تحقيبي؟ وهل كان قناة مخندقة تحيط بالكوفة ومنها تتفرع الأنهار الأخرى كما تصور ذلك ماسينيون ، مشيرا ضمنيا إلى خندق المنصور؟ (١) وتكون تضمنت المصادر خطأ تحقيبيا آخر في هذه الصورة أيضا.
إن هذه المصادر قليلة الوضوح وقد تضمنت الهفوات والتراكيب العتيقة وهي تريد أن تثبت أن المختار أمر بغلق الفرات لصده عن السيل إلى الأسفل. ولهذا سال الفرات بأكمله في «مجتمع الأنهار» حيث تتجمع القنوات وتنطلق جميعها من الفرات (٢). هذا المكان هو السيلحين الذي لا يمكن تحديده بالجنوب الغربي على حاشية الصحراء بالحيرة وما خلفها كما فعل صالح أحمد العلي (٣) ، بل إنه يحدد في مكان ما بالجنوب الشرقي على الفرات. فهل يعني ذلك شبكة من القنوات الخالية المهملة المهجورة التي لم يتبق منها سوى أثر مجوف على الأرض وقد أعادتها إلى سالف نشاطها ظروف عسكرية استثنائية أو أنها كانت قنوات مستعملة ، ملأها فجأة هذا التفريع أو قد كانت تروي جنوب الكوفة عادة؟ لا ننس أن الحيرة كانت ما زالت قائمة بكل معنى الكلمة في القرن الأول وما تلاه. فكيف أمكنها البقاء دون ماء؟ من المعلوم أن هناك قطائع زراعية تابعة لجنوب الكوفة ، قبل بلوغ الفرات ، منها طيزناباذ (٤). ثم لماذا كانت الكوفة ذاتها تتغذى بالماء بصفة سيئة في ذلك العصر لعدم وجود فرع من فروع الفرات يسد حاجتها من الشرب على الأقل؟ (٥) لا تناقص في هذا الأمر حسب رأينا ، بل إنه مجرد إهمال. كانت هذه القنوات موجودة أساسا لسد حاجات الزراعة ، وكانت الكوفة تقع على حافة الفرات فكانت تحصل مباشرة على الماء ، فضلا عن قلة التنظيم ، فلم يتوفر لها سوى السقائين وبعض الآبار في القصر وفي بعض الجبانات (٦) ولم يوجد شيء آخر. وبذلك اصطبغ حصار المختار بصبغة فظيعة سنة ٦٧ ه ، فكان حصار العطش القاتل. على أنه يجب التأكيد في كل حال على تدخل عالم المياه وحضوره وتأثيره في هذه النقطة القصية من الصحراء ، فكانت الكوفة تعيش تبعا لذلك وضعا شديد التناقض ، وهو تناقض عمّ كل شيء دون ريب.
لقد سمحت الحفريات الأثرية الخاصة بالقصر بإبراز سواق شيدت لإيصال الماء (٧)
__________________
(١) انظر : Massignon ,op.cit.,p.٦٤ والخارطة.
(٢) الطبري ، ج ٦ ، ص ٩٩.
(٣) «منطقة الحيرة ...» ، مقال مذكور ، ص ٢٧.
(٤) فتوح البلدان ، ص ٢٨٤ ؛ العلي ، مقال مذكور ، ص ٢٥.
(٥) وقد شيدت قنوات بعد ذلك : البراقي ، ص ٦٩.
(٦) كانت بئر المبارك بمقبرة جعفي : فتوح البلدان ، ص ٢٨٣.
(٧) M.A.Mustafa ,Art.cit.,p.٨٤.