وجهها الأول ، وبالمقابلة بين اللسان (١) والملطاط (٢) ، وبإكثار المصادر من استعمال كلمة «الظهر» (٣) (اليابسة التي ترتفع فوق السطح أو التجويف وتقابله ، كما يتقابل الظهر والبطن).
وتتكلم المصادر بخصوص الكوفة عن المسنّاة (سد) مع أنه كانت توجد مسناة اسمها مسناة جابر (٤) بالحيرة على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الحيرة كانت غائصة في الصحراء.
وتكمن أهمية نصوصنا سواء لدى الطبري (٥) ، أو لدى البلاذري (٦) ، في التدليل على وجود شبكة من القنوات في جنوب الكوفة وفي المنطقة التي كانت تقع قبل الفرات. وهذه القنوات معروفة بنهر الحيرة ، ونهر السيلحين ونهر القادسية ونهر يوسف (٧) (يرجح أن يوسف بن عمر هو الذي أمر بحفره ، ويكون إذن خطأ تاريخي ورد بالرواية). فما هي هذه القنوات؟ أين كانت توجد؟ ما هي وظيفتها؟ هل كانت قنوات قديمة مهملة فتح فعلا المختار اتصالها بالفرات بعد أن كانت مقفلة ، وبذلك جف أسفل الفرات؟ علما أن الأخبار الخاصة بمعركة القادسية (٨) تحدثت عن قناة اسمها العتيق ويبدو أنها كانت مهملة ولعلها كانت مسدودة ، وقد أشار إليها المسعودي أيضا واصفا إياها بأنها مجرى قديم للفرات كان يصب في بحر قديم قام مكان بحيرة النجف (٩). من المؤكد أن الحيرة لم تكن تقدر أن تحافظ على وجودها المزدهر في الماضي كواحة من دون الري. وقد تغذت الضفة العربية للفرات بالماء بواسطة الأنهار ـ القنوات. ويحتمل أنها تعطلت أو تقهقرت في أواخر العصر الساساني وعادت إلى سالف نشاطها في العصر العربي. ومن المعلوم أن خالد القسري أمر بعد ذلك بحفر النهر الجامع ونهر خالد والمبارك وباجوّه وبارمانه ولوبه فمثل كل ذلك شبكة حقيقية (١٠). ولعل الجامع وحده كان موجودا بمنطقة الكوفة (١١). فهل إليه تلمّح المصادر رغم
__________________
(١) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٩ وج ٤ ، ص ٤٢.
(٢) عرّفه البلاذري بأنه يفصل بين الكوفة والحيرة : فتوح البلدان ، ص ٢٧٧. الواقع أن الملطاط كان محطّا لفيضان النهر.
(٣) الظهر هو «طريق البادية» : تاج العروس ، ج ٣ ، ص ٣٧١.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٢٢ وج ٧ ص ١٨٥ ، ورد ذكر مسنّاة جابر في فتوح البلدان ، ص ٢٨٠.
(٥) التاريخ ، ج ٦ ، ص ٩٩.
(٦) أنساب الأشراف ، ج ٥ ، ص ٢٥٨.
(٧) أو بورسوف؟
(٨) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٥٦ ـ ٥٥٧ ؛ مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١١٧.
(٩) مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١١٨.
(١٠) فتوح البلدان ، ص ٢٨٩ ؛ أنساب الأشراف ، مخطوطة باريس ـ السليمانية ، وجه ورقة ١٨٨.
(١١) فتوح البلدان ، ص ٢٨٤.