قرب جبانة بشر التي كانت لخثعم (١).
هناك قضية تطرح فعلا بخصوص خثعم ، لو رمنا أخذ خريطة سيف مأخذ الجد. كانت خثعم قبيلة يمنية مرموقة ولم تذكر على هذه الخارطة ، لكنها شاركت في حرب القادسية ، ويحتمل أن عدد أفرادها كان قليلا ، إذ لم يذكر أي رقم بشأنهم. وقد قاموا بدور كبير في أثناء انتفاضة حجر بن عدي (٢) ، وقدموا الدعم للمختار ووقفوا ضده. كانت لهم جبانة شهيرة معروفة بجبانة بشر وهو إسم لأحد أبطال القادسية (٣) ، وقد تأكد أن الجبانة كانت أحد الأماكن الكبرى لتجمع اليمنية ، مثل جبانة كندة ومراد. كانت بجيلة تلحق بهم فيها (٤) ، بصفتهم من أقدم الإخوان لهم ، منذ عصر الجاهلية (٥). فهل أفسحوا لهم مكانا في خطتهم الكبيرة التي زادت اتساعا بعد رحيل أحمس؟ لا يبدو أن الأمر كما ذكر ، لأن قول أبي مخنف «ساروا إليهم» (٦) ، يفرض مسبقا وصراحة تمييزا في السكن ، كما أن السياق يوحي بالجوار واستمرار علائق القربى السابقة. وعلى هذا ، ينبغي تحديد مقام خثعم بمكان تغلب ، والأمر الأرجح كثيرا أن يكون ذلك في خطة جديدة كبيرة حددت أثر التخطيط الأول دائما في الركن الشمالي الغربي ، وربما في خطة طيء كما أوحى اليعقوبي بذلك؟ وبصورة عامة ، إذا قطعنا بخط وهمي الكوفة قطعتين ، أي الكوفة شمالا والكوفة جنوبا ، يظهر القسم الشمالي أكثر كثافة سكانية ، وأشد هيكلة ، بقطائعه المتراصة وشوارعه الضيقة. وهذا ما يتجلى من شهادة أحد رؤساء قيس ، نعني شمر بن ذي الجوشن الذي أقام شرقا ودعي لنجدة اليمنية في جبّانة السبيع. فرفض نجدتهم معللا رفضه بأنه يتعذر عليه القتال في السكك الضيقة (٧). وكأن الأمر قد تعلق في هذا الباب بخاصية تميزت بها منطقة الكوفة الشمالية ـ ونحن ندرك ذلك من قوله علما بأنه كانت هناك من البداية ، خمس طرق كبرى ارتبطت بخمس خطط ، تقابلها أربع طرق في الجنوب وثلاث في الشرق والغرب فقط (٨). لا شك أن هذه المساحة المسماة بظهر الكوفة في جهتها الغربية ، كانت لها جاذبية ارتبطت ببعض
__________________
(١) كتاب البلدان ، ص ٣١٠.
(٢) الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٦١.
(٣) بشر بن ربيعة : فتوح البلدان ، ص ٢٨١ ؛ والجمهرة ، ص ٣٩١.
(٤) الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٥.
(٥) كتاب الاشتقاق ، ص ٥١٥. ينحدر كلاهما من الأنمار وهي مجموعة قريبة من نزار ، لكنها كانت تقع بموقع ربيعة : ومضر بالذات ثم اعتبروا من اليمنية. راجع كذلك البكري ، معجم ما استعجم ، ج ١ ، ص ٢٩٨ ؛ ابن الكلبي ، ورقة ٥٣.
(٦) الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٥.
(٧) الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٦ ؛ أنساب الأشراف ، ج ٥ ، ص ٢٣٢.
(٨) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.