عشوائيا بل بمقتضى مبدأ جاذبية صلة القربى ، حيث يتم الانتقال إلى قبيلة الأشقاء. فمثلا إذا تجمّعت قيس في اتجاه الشرق ، فالمرجّح أن ذلك تمّ لأن بني عامر كانوا مقيمين بالمكان ، قبل ذلك (١). وأن رحيل أكثر تميم إلى الغرب عمل بالتأكيد على تيسير تمدد خطة بني عامر ؛ وكذلك إذا وجدنا عبد القيس إلى الشمال الغربي فلأنه تقرر ـ في بداية الأمر ـ إنشاء خطة لتغلب وتيم اللات ، لعلها كانت واسعة بالنسبة إليهم ، لكنها اتسعت في كل حال إلى الشمال والغرب واستقبلت مهاجري عبد القيس الذين انضموا إلى علي. الحقيقة أننا لا نفهم كيف أمكن لجموع أخرى من ربيعة أن يقيموا في اتجاه الشرق : لعلهم احتلوا الزاوية التي تركها خالية التخطيط القائم على أساس الجهات الأربع. أما عن تميم وضبّة ، فقد خول لهم الرحيل إلى الغرب الحصول على مجال حيوي أكبر ، قابل للامتداد إلى ما لا نهاية. ولا بد أنهم استفادوا من وجود خطة اسندت إلى بجالة وبجلة المتفرعتين عن ضبة ، والذين لا شك أنهم لم يكونوا كثيرين (٢). ولعله يجب اعتبار هذه الخطة مخصصة لضبة (٣) جميعها ، وقد انضمت تميم إليهم في وقت لا يمكن تحديده بدقة مع أن ماسينيون تمسك بتاريخ سنة ٣٧ ه دون حجج ، وقد ذكرنا ذلك. يبقى صحيحا في كل حال أن مجيء علي إلى الكوفة خلخل وجود المصر في الأعماق ولم يلبث أن انعكس بصورة ملموسة على هياكل عالم القبائل. وترتب عن مجيئه قدوم أكثرية عجل من البصرة إلى الكوفة (٤) ، وجموع كثيرة من عبد القيس.
أما عن طيء التي تحدثت عنها الروايات قليلا ، والتي كانت في كل حال حاضرة بالكوفة ، فاعتقادي أنه ينبغي تحديد مكانها في خطة تحمل اسم جديلة. لماذا؟ لأن جديلة اسم لطيء. وحجتنا على ذلك نستمدها من كتاب الجمهرة (٥) ومن الاشتقاق لابن دريد (٦) ، ومن شاهد شعري (٧) حاسم بخصوص الكوفة. لم تكن جديلة الكوفة من قيس كما زعم سيف ، ولا من أسد ابن ربيعة ، بل من طيء. هذا وقد أكد اليعقوبي أنهم اختطوا
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥ : اعتبارا لمخطط سيف.
(٢) هذا ما أكده ابن دريد وهو من رجالات الكوفة : كتاب الاشتقاق ، ص ١٩٣. لكن ابن الكلبي حدد موضع الأزد في خطة بجالة كما رأينا ذلك والملاحظ أن الأزد كانوا في غربي الشمال الغربي فيما يظهر ، بينما ينبغي تحديد مقام ضبة وتميم غربي الجنوب الغربي. الحقيقة أنه يمكن إزاحة خطة بجلة بجالة إلى أسفل الخريطة ، وهو مشكل مستعص على النظر.
(٣) ضمن الافتراض المعروض أعلاه فقط.
(٤) أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ٢١٥.
(٥) ابن حزم ، مرجع مذكور ، ص ٣٩٩.
(٦) كتاب الاشتقاق ، ص ٣٨٠.
(٧) لعبد الله بن خليفة الطائي الذي ثار على زياد سنة ٥١ ه : الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٨١ ـ ٢٨٥.