وقع لأحمس بالنسبة لبجيلة. وقد ورد ذكرهم في أثناء ثورة زيد (١) غير بعيد عن عناصر من قيس هم رؤاس. والغريب أن نجدهم في الشمال دائما ، على حدود الكوفة. وعلى كلّ فإن نصّنا ناصع الوضوح وهو يفيد أن مزينة وأحمس وبارق وهي عشائر تنتسب إلى قبائل مختلفة ، تجمعت خارج المدينة أو كادت ، حول الجبانة وبعيدا عن الخطط المعهودة على الرغم من كونها عشائر شاركت في وقعة القادسية. فماذا يعني هذا الانتقال الذي تم عن طيب خاطر كما هو مرجح؟ هل وقع لأنهم التحقوا بالمهاجرين المتأخرين من عشائرهم حيث لم يجدوا مكانا في الخطط الأولى؟ هل أن إرادة الابتعاد والتهميش جعلتهم يتجمعون ويشيدون مسجدا مشتركا؟ لقد استقبلوا المختار مرحبين ، وقدموا إليه الماء (٢). ولا يبدو أنهم كانوا مهتمين بالاضطراب الذي اجتاح المدينة في ذلك الوقت. والملاحظ بهذه المناسبة وخلف الطوبوغرافيا الصرف ، أن هناك اتجاها في الكوفة في أوقات مختلفة يروم الانسياب إلى الخارج لأن المحيط يجذب القبائل والعشائر وأقسام القبائل ، واليعقوبي نفسه يقول في ذلك (٣) : «جاءت تميم وبكر وأسد فنزلوا الأطراف». وسنرى أن بكرا وعبد القيس اتصفت بعدم الاستقرار بصورة واضحة وهذا يطرح مشكل الجدلية بين المدينة والقبيلة.
لذا ، ينبغي علينا قبول التشتت النسبي ، والمقام المتكرر أو المثلث لبعض القبائل ، بصورة ملموسة وضمن الهيئة القبلية التي كانت للكوفة ، ارتباطا بالطوبوغرافيا وعلم أسماء المكان.
المرحلة الثانية : ثورة الأشراف
لم تكن رواية ثورة الأشراف غنية بمحتواها الاجتماعي وحسب ، بل إنها تساعدنا على التقدم في تصورنا لمدينة الكوفة والعوالم القبلية التي كانت تقيم فيها. ويتّضح مرة أخرى دور الجبّانات كما دور الكناسة والسبخة. فقد اجتمعت مضر بالكناسة برئاسة شبث بن ربعي ، أي تميم وعبس وضبّة (٤). كانوا يقومون بأحد الدورين الرئيسيين مع اليمنية وهو دور أهمّ بكثير من دور قيس ـ والملاحظ أنهم تميّزوا عنهم ـ كما أنه يتجاوز كثيرا دور ربيعة ، لكن لم تكن لهم جبانة. وبمطالعة المصادر وإمعان النظر فيها ، خاصة المصادر المرتبطة بهذه
__________________
(١) الطبري ، ج ٧ ، ص ١٨٥.
(٢) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٨ : يبدو أن أحمس أبدت مودتها للمختار.
(٣) كتاب البلدان ، ص ٣١١. لكن متى كان ذلك؟ هل كان في العصر الأموي أم بعده ، لما دحرتهم حملة التشيع التي اجتاحت المدينة؟
(٤) الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٥ ؛ وأنساب الأشراف ، قسم ٥ ، ص ٢٣٢. من الغريب أن الدينوري وضع ربيعة وتميم في جبانة «الحشاشين» التي لم يرد ذكرها في أي مصدر : الأخبار الطوال ، ص ٣٠٠.