يجانبوا المدينة من الخارج للوصول إلى المركز واستهداف القصر ؛ إنه فعلا تحول حقيقي من الشرق (كما أراده ماسينيون طبق مخططه) أو من الشمال الشرقي إلى الغرب أو إلى الجنوب الغربي ، من السبخة إلى الكناسة ، كأن هاتين البقعتين الواسعتين الخاليتين المحيطتين كانتا تتواجهان وتشكلان في كل حال المعابر الأصلية للدخول إلى المركز ، الذي منه ينطلق محوران أساسيان. أحاط المختار بالكوفة وكذلك ابراهيم ، على حد أقصى دور المدينة ومر بالشمال. فتوجه حشد من حشود الوالي إلى طريق همدان (سكة ثور) (١) لقطع الطريق من الشمال إلى الجنوب محاذيا المكان الذي سيبنى فيه لاحقا مصلى في العراء ـ بناه القسري (١٠٥ ـ ١٢٠) وكان يقع دون شك في خطة بجيلة. هناك اتفاق إذن مع المخطط الذي وضع بالاعتماد على ما قاله سيف لكن المشاكل تواجهنا قبل هذه المرحلة ومباشرة بعد معركة السبخة : لقد مر المختار فعلا بالجبانة (٢) التي سميت على هذا النحو وتعرت من كل صفة. والمرجح أنها عرفت بالثوية التي هي جبانة قريش وثقيف وأهل المدينة بصفة عامة. والظاهر أنها كانت تقع في أقصى شمالي الشمال الشرقي من الكوفة في طرف الخطط. وغير بعيد عن ذلك ، وإلى جوارها ، ها نحن قد بلغنا دور مزينة وأحمس وبارق (٣) وعنها يقول أبو مخنف : «وبيوتهم شاذة منفردة من بيوت أهل الكوفة» (٤). هذه جملة لا شك أنها تطرح علينا مشكلا. فهي في البداية تناقض تصور سيف في أكثر من نقطة إذ يمكن القطع بأن مزينة كانت تقيم في اتجاه الشمال قليلا (٥) لكنهم بقوا في الشرق ، تفصل خطط سليم وثقيف وهمدان بينهم وبين بجيلة وإليها تنتسب عشيرة أحمس. وما عسانا نقول في بارق وهم من الأزد؟ من هنا ينبغي تحديد مقامهم اعتمادا على سيف أيضا في الجنوب أو الجنوب الشرقي كما هو مرجح (٦). لكنّ الثابت أن اليعقوبي أكد قائلا (٧) : «انتقلت عامة أحمس عن جرير بن عبد الله إلى الجبانة». ومع أن خبره اندمج في رواية خاطئة من بعض الوجوه فلا يبدو أنها مستمدة من تأويل لرواية أبي مخنف ، علما أن مشكل بارق يبقى قائما ، ولا شيء يؤكد أنهم انفصلوا عن بقية الأزد ، كما
__________________
(١) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٩. هذه إشارة فريدة تجيز لنا التأكيد أنه اتجه إلى الشمال.
(٢) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٨.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٢٨. كانت بارق عشيرة مهمة من الأزد. لماذا كانت موجودة في أقصى الشمال الشرقي؟ الحق أن بارقا كانت أيضا عشيرة صغرى حميرية اندمجت في همدان باسم ذي بارق : الطبقات ، ج ٦ ص ٢٤٧ ؛ وقد وصفها خبر ورد في أنساب الأشراف ، قسم ٤ ، ج ١ ، ص ٢٥٦ ، فقال إنها مجرد «مكان على طريق الكوفة» ، أي أنه طرفي وغير ملحق بعشيرة.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٢٨.
(٥) هذا ما فعله ماسينيون على خريطته حيث وضعهم إلى الشمال تماما.
(٦) أو إلى غربي الشمال الغربي لأن الازد أقاموا في خطة بجلة ـ بجالة ، كما سيأتي ذكره.
(٧) كتاب البلدان ، ص ٣١١.