فخرجت من صنعاء أريد قريته ، فلما دنوت منها وجدت كتابا مختوما في ظهره : إلى أبي شمر ذي خولان ، فجئته فوجدته مهموما حزينا ، فسألته عن ذلك فقال : قدم رسول من صنعاء ، فذكر أن أصدقاء لي كتبوا إليّ كتابا فضيّعه الرسول ، فبعثت (١) معه من رقيقي (٢) من يلتمسه بين قريتي (٣) وصنعاء ، فلم يجدوه ، وأشفقت من ذلك ، قلت : فهذا الكتاب قد وجدته ، فقال : الحمد لله الذي أقدرك عليه ، ففضه فقرأه ، فقلت : أقرأنيه ، قال : إنّي لأستحدث سنك ، قلت : وما فيه؟ قال : ضرب الرقاب ، قلت : لعله كتبه إليك ناس من أهل حروراء في زكاة مالك؟ قال : من أين تعرفهم؟ قلت : إنّي وأصحاب لي نجالس وهب بن منبّه فيقول لنا : احذروا أيها الأحداث الأغمار هؤلاء الحروراء ، لا يدخلوكم في رأيهم المخالف ، فإنهم عرّة لهذه الأمة ، فدفع إليّ الكتاب فقرأته ، فإذا فيه :
بسم الله الرّحمن الرحيم ، إلى أبي شمر ذي خولان ، سلام عليك ، فإنّا نحمد الله إليك الذي لا إله إلّا هو ، ونوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له ، فإنّ دين الله رشد وهدى في الدنيا ونجاة وفوز في الآخرة ، وإنّ دين الله طاعة الله ، ومخالفة من خالف سنة نبيه وشريعته ، فإذا جاءك كتابنا هذا فانظر أن تؤدي ـ إن شاء الله ـ ما افترض الله عليك من حقّه يستحق بذلك ولاية الله وولاية أوليائه ، والسلام عليك ورحمة الله.
فقلت له : فإنّي أنهاك عنهم ، قال : وكيف أتبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك ، قال : قلت : أفتحبّ أن ندخلك على وهب بن منبّه حتى تسمع قوله ، ويخبرك خبرهم؟ قال : نعم ، فنزلت ونزل معي إلى صنعاء ، ثم غدونا حتى أدخلته على وهب بن منبّه ، ومسعود بن عوف وإلي على اليمن ، وتحويل عروة بن محمّد ـ قال علي ـ يعني : ابن المديني ـ هو عروة ابن محمّد بن عطية السعدي (٤) ولائه لهم ، من سعد بن بكر بن هوازن ، فوجدنا عند وهب نفرا من جلسائه ، فقال لي (٥) بعضهم : من هذا الشيخ؟ فقلت : هذا أبو شمر ذي خولان ، من أهل حضور ، وله حاجة إلى أبي عبد الله ، قالوا : فلا يذكرها؟ قلت : إنها حاجة يريد أن يستشيره في بعض أمره ، فقام القوم وقال وهب : ما حاجتك يا ذا خولان؟ فهرج وجبن من
__________________
(١) الأصل وم : فبعث ، والمثبت عن تهذيب الكمال.
(٢) الأصل وم : رفيقي ، والمثبت عن تهذيب الكمال.
(٣) الأصل وم : قربى ، والمثبت عن تهذيب الكمال.
(٤) ترجمته في تهذيب التهذيب ٧ / ١٨٨ وطبقات ابن سعد ٥ / ٣٤١.
(٥) بالأصل وم : في ، والمثبت عن تهذيب الكمال.