قَلى)(١) ففرغ من السورة كلها ومن (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٢) فذكره نعمته عليه ، ثم انصرف جبريل.
وكان ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل ، قد كرها دين قومهما في الجاهلية ، ورغبا عنه قبل أن يبعث الله محمّدا رسولا حينا (٣) من الدهر ، فخرجا من مكة منطلقين إلى الشام يلتمسان العلم والدين ، حتى إذا هبطا أدنى الشام فلقيا اليهود فعرضوا عليهما دينهم فكرها اليهودية ، وعرضت عليهم النصارى دينهم ، فأمّا ورقة فتنصّر ، وأما زيد بن عمرو فكره النصرانية ، فقال له قائل من تلك الرهبان : ما لك ولهذا الدين الذي نرى صاحبك قد رضي به؟ قال : أكره النصرانية ، فادللني على دين هو خير منه ، قال له الراهب : لا أعلمه ، فقال له زيد : فإنّي أكل أمري إلى الذي خلق الأديان ، لعله يدلّني على خير الأديان ، فغضب الراهب ، وألقى الله في نفس الراهب أن يتكلم بخير الأديان فقال : إنك لتلتمس يا رجل دينا ليس يوجد اليوم في الأرض ، وقد كان مرة ، فقال له زيد بن عمرو : فإنّي أذكرك بالله وبنصرانيتك ومسيحك لما حدثتني بذلك الدين ، قال الراهب : هو دين إبراهيم الخليل ، خليل الرّحمن ، قال له زيد : وما كان دين إبراهيم خليل الرّحمن؟ قال الراهب : كان حنيفا مسلما ، يسجد قبل الكعبة ، فقال زيد بن عمرو للراهب ولورقة بن نوفل : فإنّي أشهدكما أنّي على دين إبراهيم خليل الرّحمن ، وأنّي مصلّ قبل الكعبة ، فانعت لي يا راهب بدينك ومسيحك كيف كان صنيع إبراهيم؟ قال له الراهب : دعا إلى الله فكذّبه قومه ، وألقوه في النار فأنجاه الله منها ـ يعني ـ فخرج منها متوجها قبل الشام ، فرزقه الله المال والولد ، وكان يحجّ الكعبة ، ويصلّي نحوها ، فقال له زيد : فما يمنعك يا راهب من دين إبراهيم؟ قال : أمور حدثت ونحن بعد على دين إبراهيم ، فقال زيد : فإنّي مهاجر إلى ربي ، أسيح في هذه الأرض ، وأعبد الله ، وأصلّي قبل الكعبة حتى أموت على ما مات عليه خليل الرّحمن ، ففعل ، فساح في الأرض ، ورجع ورقة ابن نوفل إلى مكة ، فأخبرهم الخبر ، فلما بلغ ورقة موت زيد بن عمرو بكاه وقال له فيما يقول :
رشدت فأنعمت ابن عمرو وإنما |
|
تجنّبت تنورا من النار حاميا |
دعاؤك ربّا ليس رب كمثله |
|
وتركك جنان الجبال ماهيا |
__________________
(١) سورة الضحى ، الآيات ١ ـ ٣.
(٢) سورة الانشراح ، الآية الأولى.
(٣) الأصل : حين ، والمثبت عن «ز» ، وم.