وقال المغيرة : اكتموا مصاب أميركم حتى ننظر ما يصنع الله فينا وفيهم ؛ لئلا يهن الناس ، فاقتتلوا حتى إذا أظلم الليل عليهم انكشف المشركون وذهبوا ، والمسلمون ملظون بهم ، فعمى على المشركين قصدهم ، فتركوه وأخذوا نحو اللهب وهو الخندق الذي كانوا أنزلوا دونه ، فوقعوا فيه ، فمات فيه منهم مائة ألف أو يزيدون ، سوى من قتل منهم فى المعركة ، وهم أعداد الذين هووا ، ولم يفلت إلا الشريد ، ونجا الفيرزان من بين الصرعى فى المعركة ، فهرب نحو همدان فى ذلك الشريد ، فتبعهم نعيم بن مقرن ، وقدم القعقاع فأدركه حين انتهى إلى ثنية همدان ، والثنية مشحونة من بغال وحمير موقورة عسلا ، فحبسه على أجله ، فقتله على الثنية بعد ما امتنع ، لم يزل يتوقل فى الجبل لما غشيه إذ لم يجد مساغا ، وتوقل القعقاع فى أثره حتى أخذه ، واستاق العسل وما خالطه من سائر الأحمال ، فأقبل به ، وسميت تلك الثنية بذلك : ثنية العسل. وقال القعقاع فى ذلك :
قولا لأصرام بأكناف الجبل |
|
بأن لله جنودا من عسل |
تقتل أحيانا بأسياف الأجل |
ومضى الفلال حتى انتهوا إلى مدينة همدان فدخلوها والخيل فى آثارهم ، فنزلوا عليها وحووا ما حولها ، فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم على أن يضمن لهم همدان ودستى ، وأن لا يؤتى المسلمون منهم ، فقبل المسلمون ذلك وأجابوا إليه ، وآمنوهم فأقبل كل من كان هرب ، ولما بلغ الخبر أهل الماهين بأن همدان قد أخذت ، ونزلها نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو اقتدوا بخسروشنوم ، فراسلوا حذيفة فأجابهم إلى ما طلبوا ، فأجمعوا على إتيانه ، فخدعهم دينار ، وكان ملكا إلا أنه كان دون أولئك الملوك ، وأتى إلى المسلمين فى الديباج والحلى ، فأعطاهم حاجتهم واحتمل لهم ما أرادوا ، فعاقدوه عليهم ، ولم يجد الآخرون بدا من متابعته والدخول فى أمره ، فقيل لأجل ذلك : ماه دينار ، فنسبت إليه ، وذهب حذيفة بها ، وكان النعمان بن مقرن قد عاهد بهراذان على مثل ذلك ، فقيل : ماه بهراذان ، فنسبت إليه لأجل ذلك ، ووكل النسير بن ثور بقلعة قد كان لجأ إليها قوم فحاصرها فافتتحها ، فنسبت إلى النسير.
وفى غير هذا الحديث (١) أن أهل نهاوند خرجوا ذات يوم على المسلمين فلم يلبثهم المسلمون أن هزموهم ، وتبع سماك بن عبيد العنسى رجلا منهم معه نفر ثمانية على أفراس لهم ، فبارزهم فلم يبرز له أحد منهم إلا قتله حتى أتى عليهم ، ثم حمل الفارسى الذي كانوا معه فأسره سماك وأخذ سلاحه ، ووكل به رجلا ، فقال : اذهبوا بى إلى
__________________
(١) انظر : الطبرى (٤ / ١٣٥ ، ١٣٦).