أنقابها ، ويكون الناس بين الحجر والمدر على أقصى حجر من أرض العرب ، وأدنى مدرة من أرض العجم ، ثم الزم مكانك فلا تبرحه ، فإنهم إذا أحسوك أنقضتهم ورموك بجمعهم الذي يأتى على خيلهم ورجلهم وحدهم وجدهم ، فإن أنتم صبرتم لعدوكم واحتسبتم بقتالهم ، رجوت أن تنصروا عليهم ، ثم لا يجمع لكم مثلهم أبدا إلا أن يجتمعوا ، وليست معهم قلوبهم ، وأن تكن الأخرى كان الحجر فى أدباركم ، فانصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم ، ثم كنتم عليها أجرأ وبها أعلم ، وكانوا عنها أجبن وبها أجهل ، حتى يأتيكم الله بالفتح ، ويرد لكم الكرة ، وليكن منزلك الذي تنزله رحيبا خصيبا ، وإذا نزلت منزلا فلا تستأخر عنه ، فإن ذلك وهن عليك وجرأة لعدوك ، وأذك العيون واتبع الغرض ولا تأمنن قريبا ولا بعيدا ، وصف لى منزلك الذي تنزله ، وكم بينك وبين أول عدوك وآخره ، وكيف مأتاهم ، وسم لى المنزل ، فإنه ألقى فى روعى أنكم ستفتحون فارس ، وأنكم الأعلون.
وفى رواية أنه كتب إليه باليوم الذي يرتحل فيه من شراف ، وأين ينزل بالناس فيما بين عذيب والهجانات ، وعذيب والقوادس ، وأن يشرف بالناس ويغرب بهم. فارتحل سعد عن شراف يريد أن ينزل منزلا على ما كتب به إليه عمر ، فانتهى إلى المغيثة ، فأقام وبنى مسجدا بين الفرعاء والمغيثة ، وقدم بين يديه زهرة بن عبد الله بن قتادة بن الجوية يرتاد له منزلا ، فأقبل زهرة حتى انتهى إلى العذيب ، وكتب إلى سعد فأقبل فى أثره ، فنزل المسلمون ما بين العذيب إلى القادسية ، وهى أحساء ، فقال فى ذلك النعمان بن مقرن المزنى ، وتروى لغيره :
نزلنا بأحساء العذيب ولم تكن |
|
لنا همة إلا اختيار المنازل |
لنحوى أرضا أو نناهب غارة |
|
يضج لها ما بين بصرى وبابل |
ونزل زهرة القادسية بين العتيق والخندق بحيال القنطرة وقديس ، وهى يومئذ أسفل منها بميل ، وكتب سعد إلى عمر : إنا نزلنا من القادسية والعذيب منزلا خصيبا رحيبا على أقصى حجر من أرضنا وأدنى مدرة من أرض عدونا ، فأما عن يسار القادسية فبحر أخضر لاج إلى الحيرة بين طرفين ، أما أحدهما فعلى الظهر ، وأما الآخر فعلى شاطئ نهر يطلع بمن سلكه على ما بين الخورنق والحيرة ، وأما عن يمين القادسية ففيض من فيوض مياههم ، وبيننا وبين أدنى عدونا منا خمسة عشر ميلا ، ولم يبلغنى من الذي أسندوا إليه أمرهم إلى أن كتبت إليك ، ومتى يبلغنى ذلك أكتب به إليك إن شاء الله ، ونحن متوكلون على الله راجعون له.