وأسفلها من القبط دينارين دينارين ، على كل نفس ، شريفهم ووضيعهم ، ومن بلغ الحلم منهم ، وليس على الشيخ الفانى ، ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ، ولا على النساء شيء. وعلى أن للمسلمين عليهم النزل بجماعتهم حيث نزلوا ، ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترضة عليهم ، وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يعرض لهم فى شيء منها ، فشرط هذا كله على القبط خاصة.
وأحصوا عدد القبط من بلغ منهم الجزية ومن فرض عليهم الديناران. رفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة ، فكان جميع من أحصى يومئذ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط أكثر من ستة آلاف ألف نفس ، فكانت فريضتهم يومئذ اثنى عشر ألف ألف دينار فى كل سنة.
وعن يحيى بن ميمون الحضرمى قال : لما فتح عمرو بن العاص مصر صالح عن جميع ما فيها من رجال القبط ، ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ، ليس فيهم امرأة ولا شيخ ولا صبى ، فأحصوا بذلك على دينارين دينارين ، فبلغت عدتهم ثمانية آلاف ألف.
وفى الحديث المتقدم الطويل : أن المقوقس شرط للروم أن يخيروا ، فمن أحب منهم أن يقيم على مثل هذا أقام لازما له ذلك مفترضا عليه ، مما أقام بالإسكندرية وما حولها من أرض مصر كلها ، ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج ، وعلى أن للمقوقس الخيار فى الروم خاصة حتى يكتب إلى ملك الروم يعلمه ما فعل ، فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم وإلا كانوا جميعا على ما كانوا عليه.
وكتب المقوقس إلى ملك الروم يعلمه بالأمر على وجهه ، فكتب إليه ملك الروم يقبح رأيه ويعجزه ، ويرد عليه ما فعل ويقول فى كتابه :
إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفا ، وبمصر من عدد القبط ما لا يحصى ، فإن كان القبط كرهوا القتال وأحبوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا فإن عندك بمصر من الروم وبالإسكندرية ومن معك أكثر من مائة ألف ، معهم العدة والقوة ، والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت ، فعجزت عن قتالهم ، ورضيت أن تكون أنت ومن معك من الروم أذلاء فى حال القبط ، ألا قاتلتهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت أو تظفر عليهم ، فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوتكم وعلى قدر قلتهم وضعفهم كأكلة ، فناهضهم القتال ولا يكن لك رأى غير ذلك.
وكتب ملك الروم بمثل ذلك كتابا إلى جماعة الروم.