وقال سالم بن ربيعة : حمل ميسرة بن مسروق يومئذ ، ونحن معه فى الخيل ، فحملنا على القلب وقد أخذ صف الروم ينتقض من قبل ميسرتهم وميمنتهم ، ولم ينته الانتقاض إلى القلب بعد ، فثبتوا لنا ، وقاتلونا قتالا شديدا ، فصرع ميسرة عن فرسه ، وصرعت معه ، وجرح فرسى فعار ، ويعتنق ميسرة رجلا من الروم ، فاعتركا ساعة ، فقتله ميسرة ، ثم شد عليه آخر وقد أعيى ميسرة ، فاعتركا ساعة ، فصرعه الرومى وجلس على صدره ، وأشد عليه ، فأضرب وجه الرومى بالسيف ، فأطرت قحفه ، فوقع ميتا ، ووثب ميسرة وانبرى إلى رجل منهم ، فضربنى ضربة دير بى منها ، ويضربه ميسرة فيصرعه ، وركبنا منهم عدد كثير ، فأحاطوا بنا ، وظننا والله أنه الهلاك ، إذ نظرنا فإذا نحن نسمع نداء المسلمين وتكبيرهم ، وإذا صفوفهم قد انتهت إلينا ، وراياتهم قد غشيتنا ، فكبرنا ، واشتدت ظهورنا ، فانقشع الروم عنا ، وحمل عليهم خالد من قبل ميمنتهم ، فدق بعضهم على بعض حتى دخلوا عسكرهم (١).
وعن نوفل بن مساحق ، عن أبيه : أن خالدا قاتل يومئذ ، قتالا شديدا ما قاتل مثله أحد من المسلمين ، وما كان إلا حديثا ومثلا لمن حضره ، ولقد كان يستعرض صفوفهم وجماعتهم ، فيحمل عليهم حتى يخالطهم ، ثم يجالدهم حتى يفرقهم ، ويهزمهم ، ويكثر القتل فيهم.
قال : ولقد سمعت من يزعم أنه قتل فى ذلك اليوم أحد عشر رجلا من الروم من بطارقتهم وأشدائهم وأهل الشجاعة منهم ، وكان يقاتلهم ويقول (٢) :
أضربهم بصارم مهند |
|
ضرب صليب الدين هاد مهتد |
لا واهن الحول ولا مفند |
وعن سهل بن سعد قال : كان معاذ بن جبل يومئذ من أشد الناس بأسا ، وكان يقول : يا أهل الإسلام ، إن هذا اليوم لما بعده من الأيام ، غضوا أبصاركم رحمكم الله ، وأقدموا إقدام الأسد على عدوكم ، ولا تفارقوا راياتكم ، ولا تزولوا عن مصافكم ، وسوقوهم سوقا عنيفا ، ولا تشاغلوا عنهم بغنائمهم ، ولا بما فى عسكرهم ، فإنى أخاف أن يكون لهم عليكم عطفة فلا تقوم لكم بعدها قائمة إن تفرقتم وشغلتكم غنائمهم ، فاطلبوهم حتى لا تروا لهم جمعا ولا صفا.
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٣٥ ـ ١٣٦).
(٢) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٣٦).