ويمكن أن يستدلّ على إمامته بوجه سابع عقلي ، وهو :
إنّه لا ريب بأنّ من يعرف طرفا من التاريخ رأى أنّ بين أمير المؤمنين عليهالسلام والمشايخ الثلاثة مباينة بعيدة ، ومناوأة شديدة ، حتّى لم يشهد التاريخ بحرب له في نصرتهم ، مع أنّه أبو الحرب وابن بجدتها (١) وما قام الإسلام إلّا بسيفه ، وما تخلّف عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في موقف (٢) سوى تبوك ، وقام بأعباء الحروب الثقيلة في أيّام تولّيه الخلافة.
وقد امتلأت كتب التاريخ بما وقع بينه وبينهم ، لا سيّما الثالث (٣).
وذلك لا يجتمع مع البناء على أنّهم جميعا أركان الدين ، وأقطاب الحقّ ، وإخوة الصدق ، وهمّهم نصر الإسلام لا الزعامة الدنيوية ، فلا بدّ من وقوع خلل هناك ، إمّا لكونهم جميعا على باطل ـ ولا يقوله مسلم ـ ، أو لكون أحد الطرفين على الحقّ والآخر على الباطل ، وهو المتعيّن ، ولا قائل من أهل الإسلام بأنّ عليّا عليهالسلام إذ ذاك : مبطل ، حتّى الخوارج ..
فيتعيّن أن يكون أمير المؤمنين عليهالسلام هو المحقّ ، وغيره المبطل ، فلا بدّ أن يكون هو الإمام.
* * *
__________________
(١) بجد : بجد بالمكان : أقام به ، وعنده بجدة ذلك : أي علمه ، ومنه يقال : هو ابن بجدتها للعالم بالشيء المتقن له ، وكذلك يقال للدليل والهادي ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٣١٦ مادّة « بجد ».
(٢) انظر : صحيح البخاري ٦ / ١٨ ح ٤٠٨ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ١٩٩ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٨٣ ، الاستيعاب ٣ / ١٠٩٠ رقم ١٨٥٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٥٠ ، الإصابة ٤ / ٥٦٤ رقم ٥٦٩٢.
(٣) انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٨ ـ ٦٩ ، مروج الذهب ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٤ ـ ٢٤.