ما سواها لا يلتفت إليه وإن امتلأ العالم منهم » (١).
وأمّا ما أجاب به عن أدلّة المصنّف العقلية ، فقد تبيّن لك ما فيه ممّا سبق (٢) ، ودعوى العلم والزهد الحقيقي والشجاعة للمشايخ الثلاثة محلّ نظر.
هذا ، ويمكن أن يستدلّ على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام بوجه آخر عقلي ، وهو :
إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يفارق المدينة قطّ إلّا وخلّف فيها من يخلفه ، ولا أرسل جيشا إلّا وأمّر عليهم كما تقتضيه الرئاسة والسياسة ، فكيف يمكن أن يتركهم في غيبته الدائمة معرضا للفتن ، وغرضا لسهام الخلاف ، على قرب عهدهم بالكفر ، وتوقّع الانقلاب منهم ، ووجود من مردوا على النفاق ، وتربّص الكفرة بهم الدوائر ، كما نطقت به آيات الكتاب العزيز؟!
وكيف يمكن أن لا يطالبه المسلمون ـ على كثرتهم ـ بنصب إمام لهم ، مع طول مرضه وإعلامه مرارا لهم بموته؟!
فلمّا لم يقع الطلب منهم مع ضرورة حاجتهم إلى إمام ، علم أنّه قد أغناهم بالبيان الذي علمه الشاهد والغائب ، وليس هو إلّا نصّ الغدير ونحوه ، فيكون أمير المؤمنين عليهالسلام هو الإمام.
ولا يمكن أن يكون تشريع جواز ترك الاستخلاف سببا لترك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للنصّ كما زعموا ؛ لأنّ فائدة التشريع اتّباع الناس له في فعله.
وبالضرورة أنّه لم يتّفق ترك ملك أو خليفة للنصّ على من بعده عملا بالسنّة.
__________________
(١) الكشّاف ٤ / ١٥١ ، التفسير الكبير ٣٠ / ١٠٨.
(٢) راجع الصفحة ١٩٢ وما بعدها من هذا الجزء.