الهجر ، فقابل إحسانه بأعظم إساءة ، ونصيحته بأكبر غشّ ، وهدايته بأضلّ ضلالة!
وكيف يريدون إقامة الحقّ وتقويم الشريعة ، ووليّهم بنصّ الكتاب المجيد ، ومولاهم ، وأخو نبيّهم ، وباب علمه ، ووارثه بين أظهرهم (١) ، لا يلتفتون إليه بوجه ، بل ينتهزون فرصة اشتغاله بتجهيز النبيّ ويتنازعون الإمرة بينهم في السقيفة ، ويستعملون في نيلها الحيل والتزويرات؟!
وكيف يقصدون إقامة الحقّ وقد انتهكوا حرّمة نبيّهم صلىاللهعليهوآلهوسلم بترك دفنه وغصب بضعته ولمّا يطل العهد حتّى ماتت مقهورة غضبى؟!
وكيف يقال في حقّهم ذلك وقد ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، وكلّهم إلى النار ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النعم؟!
وقد روى الطبري (٢) ، عن ابن عبّاس ، أنّ عمر قال : أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!
فكرهت أن أجيبه ، فقلت : إن لم أدر فأمير المؤمنين يدريني.
فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة فتبجّحوا على قومكم بجحا بجحا (٣) ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت.
فقلت : يا أمير المؤمنين! إن تأذن لي في الكلام وتمط عنّي الغضب تكلّمت.
فقال : تكلّم [ يا بن عبّاس ]!
__________________
(١) سيأتي ذكر مصادر الفقرات المتقدّمة في محالّها مفصّلة.
(٢) في تاريخه ص ٣١ من الجزء الخامس [ ٢ / ٥٧٨ حوادث سنة ٢٣ ه ]. منه قدسسره.
(٣) البجح : الفرح ، والتّبجّح : الفخر ، والمعنى هنا أنّهم سيفخرون بالخلافة على قومهم فرحا وعجبا ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٣١٦ مادّة « بجح ».