وقد يكون لنا الحق في أن نشك في صحة هذا القول ، ما دام أنه يعطي انطباعا سلبيا عن حالة المسلمين ، فإن الرجوع لا بد أن يكون لأحد سببين ، أو كليهما ، وكلاهما مرفوض.
وهما :
الأول : إنه خاف من التعرض لقيصر ، فإنه قد راجع حساباته في الطريق ؛ فأدرك أن هذا في غير صالحه ؛ فآثر الرجوع ، ولو تسبب ذلك بنوع من الشعور بالضعف لدى المسلمين ، وسوف يؤكد ذلك هيبة ملك الروم في نفوسهم ، وهذا مما لا يمكن قبوله في حق النبي «صلىاللهعليهوآله».
الثاني : إنه قد أحس بأن المدينة تتعرض لخطر من نوع ما في حال غيابه عنها ، سواء من داخلها ، من قبل المنافقين واليهود وغيرهم ممن لم يسلم حتى الآن ، أو من خارجها ، من قبل قريش ومن معها من المشركين المتربصين حول المدينة ، وفي سائر المناطق.
وهذه أيضا نقطة ضعف أخرى ، كان من المفروض أن يكون «صلىاللهعليهوآله» قد حسب حسابها ، وأعد العدة لمواجهتها ، قبل أن يخرج من المدينة. فلا يمكن أيضا قبول هذا السبب لما يتضمنه من نسبة القصور أو التقصير ـ والعياذ بالله ـ إلى ساحة قدس النبي الأكرم «صلىاللهعليهوآله».
التوجيه الأقرب :
وإذا صح أنه رجع ولم يبلغها ، فالأظهر أنه قد بلغه أن أهلها قد عرفوا بمسيره إليهم ، فتنحوا عنها إلى جهة غير معلومة ، بحيث لم يعد ثمة فائدة من المسير إليهم.