ثم ما ظهر له من الآيات والبراهين ، حين ولادته ، وبعدها ، وكونه ابن الذبيحين ، الأمر الذي جعل له قدسية خاصة في نفوس الناس.
نعم ، إن كل ذلك قد وضع قريشا ، وسائر الناس أمام الأمر الواقع ، فكان كل من يحاول تكذيبه «صلى الله عليه وآله» يجد نفسه أمام صراع داخلي ، ووجداني ؛ لأن وجدانه وضميره كان يقول له :
أنت الكاذب الحقيقي ، وهو الصادق الأمين ، وهو محل الثقة المطلقة ، وأنت مظنة الخيانة ، وهو صاحب الرأي والتدبير ، والعقل الكبير ، وأنت القاصر المقصر في ذلك ، وهكذا الحال في سائر صفاته الغر ، وأخلاقه الفضلى.
٣ ـ وقد عزز ذلك وقوّاه : أن كل أحد كان يعرف أميته «صلى الله عليه وآله» (١) ، وأنه لم يتلق العلم والمعرفة من أحد ، وها هو لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يدعي المعرفة بجزء مما جاء به ، فضلا عن بيئته المتناهية في الجهل والضياع ، فلم يكن ثمة مجال للارتياب في صدقه ، وصحة دعوته ، إلا من مكابر ، لا يرى إلا نفسه ، ولا يفكر إلا فيها.
وحتى لو كان قارئا ، فماذا عساه يجد في كتب السابقين ، وهل يمكن أن يقاس ذلك بما جاء به «صلى الله عليه وآله» من المعارف العالية ، والتشريعات المعجزة ، بلسان القرآن ، الذي يعجز الجن والإنس عن أن
__________________
(١) لنا بحث حول المراد من كونه «صلى الله عليه وآله» أميا .. وأن المراد أنه أمي بحسب معرفة الناس به ، ولكنه كان قارئا وكاتبا بالإعجاز الذي فاجأهم وبهرهم ، راجع : مختصر مفيد ج ١ ص ١٠.