بلغني أن معاذا لما طعن فجعل سكرات الموت تغشاه فيفيق (١) الإفاقة ثم يقول : وعزّتك أنت تعلم أنّي لم أكن أريد البقاء في الدنيا لكراء الأنهار وغرس الأشجار ، ولكن لمزاحمة العلماء بالركب في المجالس عند حلق الذكر.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، نا محمود بن خداش ، نا شجاع بن الوليد (٢) ، عن عمرو بن قيس.
إن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال : انظروا أصبحنا؟ قال : فقيل : لم تصبح ، حتى أتى فقيل قد أصبحت ، قال : أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار ، مرحبا بالموت ، مرحبا زائر مغب ، حبيب جاء على فاقة ، اللهمّ إنك تعلم أنّي كنت أخافك ، فأنا اليوم أرجوك ، إنّي لم أكن أحب الدنيا ، وطول البقاء فيها لكراء الأنهار ، ولا لغرس الأشجار ولكن لظمإ الهواجر ولمكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
قال : ونا ابن أبي الدنيا ، حدّثني محمّد بن الحسين ، نا يحيى بن إسحاق البجلي ، نا ضمام بن إسماعيل المعافري قال : سمعت موسى بن وردان يحدّث.
إن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة بكى فقيل له : ما يبكيك؟ قال : ما أبكي جزعا من الموت ، ولكن أبكي على الجهاد في سبيل الله ، وعلى فراق الأحبّة ، قال : ويغشاه الكرب ، فجعل يقول : اخنق خنقك فو عزتك إنّي أحبك.
أخبرنا أبو الخير عبد السّلام بن محمود بن أحمد ، نا أبو بكر الباطرقاني ـ إملاء ـ نا محمّد بن عبد العزيز بن محمّد الأيوبي ، ومحمّد بن أحمد بن محمّد المهلبي ، قالا : نا أحمد ابن محمّد بن عاصم ، نا محمّد بن إبراهيم بن أبان ، نا بكر بن بكّار ، نا البرّاء بن عبد الله الغنوي ، نا الحسن قال :
لما حضر معاذ بن جبل الموت جعل يبكي ، فقيل له : أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنت ، وأنت ، قال : ما أبكي جزعا من الموت إنّ حلّ بي ، ولا دنيا تركتها بعدي ، ولكن إنّما هي القبضتان فلا أدري في أيّ القبضتين أنا.
__________________
(١) مكانها بياض في «ز».
(٢) من طريقه رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١ / ٢٣٩.