كنت أرى العظام تنزع من صفحته ، وما مكث إلّا خمسة أيام حتى مات (١).
قال محمّد بن عمر : فذكرت ذلك لشرحبيل بن أبي عون فقال : أخبرني أبي قال : قال لي المسور بن مخرمة :
يا مولى عبد الرّحمن ، صبّ لي وضوءا ، فقلت : أين تذهب؟ قال : إلى المسجد ، فصببت له وضوءا ، فأسبغ الوضوء ، وخرج وعليه درع له خفيفة يلبسها إذا لم يكن له قتال ، فلما بلغ الحجر قال : خذ درعي ، قال : فأخذتها ولبستها ، وجلست قريبا منه ، والحجارة يرمى بها البيت وهو يصلي في الحجر ، فجئت فقمت إلى جنبه ، فقلت : أي مولاي ، إنّي أرى الحجارة اليوم كثيرة ، فلو لبست درعك ومغفرك أو تحوّلت عن هذا الموضع ، أو رجعت إلى منزلك ، فإني لا آمن عليك؟ فو الله ما يغني شيئا إنهم لعالون (٢) علينا ، وإنّما نحن لهم أغراض ، فقال : ويحك ، وهل بد من الموت على أي حال؟ والله لأن يموت الرجل وهو على بصيرته ، ناكبا لعدوه أو مبليا عذرا حتى يموت أحسن وآجر له من أن يدخل مدخلا فيدخل عليه ، فيساق إلى الموت فتضرب عنقه على المذلة والصغار ، ثم قال : هات درعي ، فأخذها فلبسها ، وأبى أن يلبس المغفر ، قال : وتقبل ثلاثة أحجار من المنجنيق ، فيضرب الأول الركن الذي يلي الحجر فخرق الكعبة حتى تغيّب ، ثم اتبعه الثاني في موضعه ، ثم اتبعه (٣) الثالث في موضعه وقد سدّ الحجر الحجر ، ثم رمى فينا الحجر وتكسر منه كسرة فتضرب خدّ المسور وصدغه الأيسر فهشمه هشما ، قال : فغشي عليه ، واحتملته أنا ومولى له يقال له سليم ، وجاء الخبر ابن الزبير ، فأقبل يعدو إلينا ، فكان فيمن يحمله ، وأدركنا مصعب بن عبد الرّحمن ، وعبيد بن عمير ، فمكث يومه ذلك لا يتكلم حتى كان من الليل ، فأفاق ، وعهد ببعض ما يريد ، وجعل عبيد بن عمير يقول : يا أبا عبد الرّحمن ، كيف ترى في ، قتال (٤) : من ترى؟ فقال : على ذلك قتلنا ، فقال عبيد بن عمير : أبسط يدك ، فضرب عليها عبيد بن عمير ، فكان ابن الزبير لا يفارقه بمرضه حتى مات.
قال : ونا ابن سعد ، حدّثني عبد الله بن جعفر ، عن أبي عون قال :
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٩٣ وتاريخ الإسلام ص ٢٤٧.
(٢) في «ز» : تعالون.
(٣) كذا بالأصل وبقية النسخ ، وفي تاريخ الإسلام : «ثم اتبعه الثالث فينا ، وتكسر منه كسرة ...».
(٤) تحرفت بالأصل ، و «ز» ، ود ، وم إلى : «فقال» والمثبت عن تاريخ الإسلام : وفيه : في قتال هؤلاء.